الفخرانى الرفاعى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


تصوف وروحانيات
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ابو العلاء المعرى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 718
نقاط : 2151
تاريخ التسجيل : 09/10/2012
العمر : 73

ابو العلاء المعرى Empty
مُساهمةموضوع: ابو العلاء المعرى   ابو العلاء المعرى Icon_minitime1الجمعة يناير 04, 2013 3:05 am

وهـي الدنـيا أذاهـا ابداً يا أبا السبطين لا تحفل بها زمـر واردة إثر زمر أعتيقٌ ساد فيها أم عمر
قال السيد الأمين في الأعيان :
هو ابو العلاء احمد بن عبد الله بن سليمان المعري التنوخي الشاعر المتفنن كان عربيّ النسب من قبيلة تنوخ بطن من قضاعة من بيت علم وقضاء ولد بمعرة النعمان سنة 363 وجدر في الثالثة من عمره وكف بصره وتعلم على أبيه وغيره من ائمة زمانه فكان يحفظ ما يسمعه من مرة واحدة ، وقال الشعر وهو ابن احدى عشرة سنة ، ونسك في آخر عمره ولم يبرح منزله وسمى نفسه رهين المحبسين : العمى والمنزل : وبقي مكبّاً على التدريس والتأليف ونظم الشعر مقتنعاً بالقليل من الدنانير يستغلها من عقار له مجتنباً أكل الحيوان وما يخرج منه مكتفياً بالنبات والفاكهة والدبس متعللا بأنه فقير وانه يرحم الحيوان ، وعاش عزباً الى أن مات سنة 449 بالمعرة وأمر أن يكتب على قبره : هذا جناه أبي عليَّ وما جنيتُ على أحد
أقول الحق انه فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة ولا يسمح الدهر بامثاله إلا في السنين المطاولة والازمان المتباعدة وهذه اراؤه تتجدد وأشعاره بمعانيها تزداد حلاوة وعذوبة وان هذه الاختلافات في هذا الرجل دلالة على عمقه وعظمته واليك قوله في إثبات البعث والمعاد. قال المنجم والطبيب كلاهما إن صحّ قولكما فلستُ بخاسرٍ لا تحشر الاجساد قلت : اليكما أو صحّ قولي فالخسار عليكما
وفي معجم الأدباء : ولد بمعرة النعمان ( 363 ) واعتلّ علّة الجُدَري التي ذهب فيها بصره ( 367 ) وقال الشعر وهو ابن 11 سنة ورحل الى بغداد سنة 398 فاقام بها سنة وسبعة أشهر ثم رجع الى بلده فأقام بها ولزم منزله الى أن مات بالتاريخ المتقدم. قال : ونقلت من بعض الكتب أن أبا العلاء


--------------------------------------------------------------------------------

(302)
لما ورد الى بغداد قصد ابا الحسن علي بن عيسى الربعي ليقرأ عليه فلما دخل عليه قال علي بن عيسى ليصعد الاصطبل فخرج مغضباً ولم يعد اليه ، والاصطبل في لغة أهل الشام الأعمى ولعلها معرّبة. ودخل على المرتضى ابي القاسم فعثر برجلٍ فقال : من هذا الكلب ، فقال المعري : الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً ، وسمعه المرتضى فاستدناه واختبره فوجده عالما مشبعا بالفطنة والذكاء فأقبل عليه إقبالاً كثيرا ، وكان أبو العلاء يتعصب للمتنبي ويزعم انه أشعر المحدثين ويفضله على بشار ومن بعده مثل أبي نواس وأبي تمام ، وكان المرتضى يبغض المتنبي ويتعصب عليه فجرى يوما بحضرته ذكر المتنبي فتنقصه المرتضى وجعل يتتبع عيوبه ، فقال المعري : لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله : ـ لك يا منازل في القلوب منازل ـ لكفاه فضلاً فغضب المرتضى وأمر فسحب برجله واخرج من مجلسه ، وقال لمن بحضرته أتدرون أي شيء أراد بذكر هذه القصيدة فإن للمتنبي ما هو أجود منها ـ اراد قوله في هذه القصيدة : وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ فهي الشهادة لي بأني كامل
وقال السيد الامين إن هذه القصة موضوعة ولا يصح قول من قال أن المرتضى كان يبغض المتنبي فانه لا موجب لبغضه إياه وليس معاصراً له فمولد المرتضى قريب من وفاة المتنبي ، ولا لتعصبه عليه ، فالمرتضى في علمه وفضله ومعرفته لم يكن يتعصب على ذي فضل كالمتنبي ولا يجهل مكانته في الشعر ، والمعري مع علمه بجلالة قدر المرتضى وعلوّ مكانه لم يكن ليواجهه بهذا الكلام وللمعري بيتان يمدح الرضي والمرتضى في القصيدة التي رثى بها والد السيدين المرتضى والرضي وهما : ساوى الرضي المرتضى وتقاسما خلا نـدى سبـقا وصلى الاطــهر خطط العلا بتـناصفٍ وتـصافى المرضي فيا لثلاثة أحلاف
والاطهر المرضي هو ابن للشريف المرتضى.


--------------------------------------------------------------------------------

(303)
قال السيد الامين في الاعيان :
اختلف الناس فيه فبين ناسب له الى الالحاد والتعطيل وبين قائل انه مسلم موحد. في معجم الادباء : كان متهماً في دينه يرى رأي البراهمة لا يرى أفساد الصورة ولا يأكل لحماً ولا يؤمن بالرسل والبعث والنشور وعاش ستاً وثمانين سنة لم يأكل اللحم منها خمساً وأربعين سنة ، وحُدثت أنه مرض مرة فوصف الطبيب له الفروج فلما جيء به لمسه بيده وقال : استضعفوك فوصفوك هلا وصفو شبل الأسد. وحدث غرس النعمة أبو الحسن الصابي انه بقي خمسا واربعين سنة لا يأكل اللحم ولا البيض ويحرّم إيلام الحيوان ويقتصر على ما تنبت الارض ويلبس خشن الثياب ويظهر دوام الصوم. قال : ولقيه رجل فقال : لم لا تأكل اللحم قال ارحم الحيوان قال فما تقول في السباع التي لا طعام لها الا لحوم الحيوان فان كان لذلك خالق فما أنت بأرأف منه ، وان كانت الطبائع المحدثة لذلك فما أنت بأحذق منها ولا أتقن عملاً ، فسكت ـ قال ابن الجوزي : وقد كان يمكنه أن لا يذبح رحمة وأما ما ذبحه غيره فأيّ رحمة بقيت. قال : وقد حدثنا عن ابي زكريا أنه قال : قال لي المعري ما الذي تعتقده ؟ فقلت في نفسي اليوم أقف على اعتقاده ، فقلت له ما أنا إلا شاك ، فقال وهكذا شيخك قال القاضي أبو يوسف عبد السلام القزويني : قال لي المعري لم أهج أحداً قط ، فقلت له صدقت ، إلا الانبياء عليهم السلام فتغيّر وجهه.
( قال المؤلف ) : اما عدم ذبحه الحيوان وعدم أكله اللحوم فكاد يكون متواتراً عنه ومرّ في مرثية علي بن الهمام له قوله : ان كنت لم ترق الدماء زهادة فلقد أرقت اليوم من جفني دما
مما دل على أن ذلك كان معروفاً مشهوراً عنه.


--------------------------------------------------------------------------------

(304)
لماذا لم يأكل اللحم ؟
وقد علل امتناعه عن أكل اللحوم وغيرها في أحد اجوبته في المراسلة التي دارت بين وبين داعي الدعاة. قال جواب إحدى تلك الرسائل :
قد بدأ المعترف بجهله المقر بحيرته وعجب أن مثله يطلب الرشد ممن لا رشد عنده وقد ذكر ايد الله بحياته بيتا من أبيات على قافية الحاء ذكرها وليه ليعلم غيره ما هو عليه من الاجتهاد في التدين وما حيلته في قوله تعالى ( مَن يهد الله فهو المهتد ) وأولها : غدوتَ مريضَ العقل والدين فالقني فلا تأكلن ما أخـرج المـاء ظالـما لتعلم أنباء الامـور الصـحائح ولا تبغ قوتا من غريض الذبائح (1)
والحيوان البحري لا يخرج من الماء إلا وهو كاره والعقل لا يقبح ترك أكله وإن كان حلالاً لأن المتدينين لم يزالوا يتركون ما هو لهم حلال مطلق : وأبيض أُمّاتٍ أرادت صريحه لأطفالها دون الغواني الصرائح (2)
والمراد بالابيض اللبن والأم اذا ذبح ولدها وجدت عليه وجداً عظيماً وسهرت لذلك ليالي فأيّ ذنب لمن تحرج عن ذبح السليل ولم يرغب في استعمال اللبن ولم يزعم أنه محرم وإنما تركه اجتهاداً في التعبّد ورحمة للمذبوح رغبة أن يجازى عن ذلك بغفران خالق السموات والأرض واذا قيل ان الله سبحانه يساوي بين عباده في الاقسام فأي شيء اسلفته الذبائح من الخطأ حتى تمنع حظها من الرأفة والرفق : فلا تفجعنّ الطير وهي غوافل بما وضعت فالظلم شرّ القبائح

--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ الغريض : اللحم النيء.
2 ـ أُمات : جمع أُم والصريح في كل شيء الخالص منه.

--------------------------------------------------------------------------------

(305)
وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صيد الليل وذلك أحد القولين في قوله عليه السلام اقرّوا الطير في وكناتها ، وفي الكتاب العزيز « يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرُم ومَن قتله متعمداً فجزاء مثلُ ما قتل من النَعم » فاذا سمع من له أدنى حسّ هذا القول فلا لوم عليه اذا طلب التقريب الى رب السماوات والارضين بأن يجعل صيد الحل كصيد الحرم وإن كان ذلك ليس بمحظور : ودع ضَربَ (1) النحل الذي بكرّت له كواسب من أزهارِ نبتٍ فوائح
لما كانت النحل تحارب الشائر (2) عن العسل بما تقدر عليه فلا غرو إن أعرض عن استعماله رغبة في أن تجعل النحل كغيرها مما يكره من ذبح الأكيل واخذ ما كان يعيش به لتشربه النساء كي يُبدّن وغيرها من بني آدم ، وروي عن علي عليه السلام حكاية معناها انه كان له دقيق شعير في وعاء يختم عليه فاذا كان صائماً لم يختم على شيء منه وقد كان عليه السلام يصل اليه غلّة كثيرة ولكنه كان يتصدق بهاويقتنع أشد اقتناع. وروي عن بعض أهل العلم انه قال في بعض خطبه ان غلّته تبلغ خمسين الف دينار وهذا يدل على ان الانبياء والمجتهدين من الأئمة يقصرون نفوسهم ويؤثرون بما يفضل عنهم أهل الحاجة. وقد أوما سيدنا الرئيس الى أن من ترك أكل اللحم ذميم ولو أخذ بهذا المذهب لوجب على الانسان أن لا يصلي الا ما افترض عليه ومن له مال كثير اذا اخرج زكاته لا يحسن به أن يزيد على ذلك. وأما ما ذكره من المكاتبة في توسيع الرزق علي فالعبد الضعيف العاجز ما له رغبة في التوسع ومعاودة الا طعمة وتركها صار له طبعا ثانيا وانه ما أكل شيئاً من حيوان خمسا وأربعين سنة.
ومما يعجب له من أمر أبي العلاء فبينا البعض يستظهر من اشعاره تشكيكه
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ الضرب يفتحين : العسل.
2 ـ الشائر من شار العسل واشتاره أي جناه.

--------------------------------------------------------------------------------

(306)
والحاده واذا به يصوم الدهر ويحافظ على الصلوات ويصلى جالساً بعد سقوط قوّته ولا يترك الصلاة بحال ويقول في اثبات الخالق عز وجل. متى ينزل الأمر السماوي لم يفد وإن لحق الإسلام خطبٌ يغضّه اذا عظّموا كيوان عظّمتُ واحداً سوى شبح رمي الكميّ المناجد فما وجدت مثلاً له نفس واجد يكـون له كيوان أول ساجـد
ويقول : والله حق وابن آدم جاهل من شأنه التفريط والتكذيبُ
قال الشيخ القمي في الكنى والألقاب :
أحمد بن عبد الله بن سليمان المعروف بأبي العلاء المعرّي الشاعر الأديب الشهير كان نسيج وحده بالعربية ضربت آباط الإبل اليه ، وله كتب كثيرة وكان أعمى ذا فطانة ، وله حكايات من ذكائه وفطانته ، حكي انه لما سمع فضال الشريف السيد المرتضى اشتاق الى زيارته فحضر مجلس السيد ، وكان سيد المجالس فجعل يخطو ويدنو الى السيد فعثر على رجل فقال الرجل : مَن هذا الكلب ؟ فقال المعري الكلب مَن لا يعرف للكلب سبعين اسماً فلما سمع الشريف ذلك منه قرّبه وأدناه فامتحنه فوجده وحيد عصره وأُعجوبة دهره ، فكان ابو العلاء يحضر مجلس السيد وعدّه من شعراء مجلسه ، وجرى بينهما مذاكرات من الرموز ما هو مشهور وفي كتب الاحتجاج مسطور. قيل ان المعري لما خرج من العراق سُئل عن السيد المرتضى رضي الله تعالى عنه فقال : يا سائلي عنه لما جـئت اسأله لو جئته لرأيت الناس في رجل ألا هو الرجل العـاري من العار والدهر في ساعة والأرض في دار


--------------------------------------------------------------------------------

(307)
ومن شعره : لو اختصرتم من الاحسان زرتكم والعذب يهجر للافراط في الخصر
( الخصر البرد ) ومن شعر المعري قصيدة يرثي بها بعض أقاربه : غير مجـدٍ في ملتي واعتقادي أبكت تـلكم الحمامة أم غنّت صاح هـذي قبورنا تملأ الأر خفف الوطئ ما أظن أديم الا وقبيح بـنا وإن قـدم الـعهد رب لحدٍ قد صار لحداً مراراً ودفـينٍ علـى بقـايـا دفين فاسأل الفرقـدين عـمن أحسّا كم أقاما علـى زوال الـنهار تعبٌ كلّها الحياة فما أعـجب إن حزناً في ساعـة الـموت خُلق الناس للـبقاء فضلّـت إنما ينقلـون مـن دار أعمال نوحُ بـاكٍ ولا تـرنــم شاد علـى فـرع غصنهـا الـمياد ض فأين القبـور من عهد عاد رض إلا مـن هـذه الاجسـاد هــوان الآبـاء والأجــداد ضـاحكٍ من تزاحم الأضـداد في طـويـل الأزمـان والآباد من قبـيل وآنسـا مـن بـلاد وانـارا لـمدلـج فـي سـواد إلا مـن راغـبٍ فـي ازديـاد أضعاف سرور في ساعة الميلاد أمـةٌ يـحسبـونـهم للـفنـاد إلـى دار شــقـوة أو رشـاد
حكي عنه انه كان يقول أتمنى أن أرى الماء الجاري وكواكب السماء ، حيث كان أعمى وفي عماه يقول بعض الشعراء : أبا الـعلاء بـن سلــيمانـا لو أبصرت عيناك هذا الورى ان العمى أولاك إحسانا لم يـر انسانـُك إنسانا
قال جرجي زيدان في ( تاريخ آداب اللغة العربية ) :
ابو العلاء المعري هو خاتمة شعراء العصر العباسي الثالث كما كان شبيهه أبو الطيب المتنبي فاتحته ـ ونعم الفاتحة والخاتمة. وهو الشاعر الحكيم الفيلسوف


--------------------------------------------------------------------------------

(308)
احمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد التنوخي. ولد في المعرة سنة 363 هـ وكان أبوه من أهل الأدب وتولى جدّه القضاء فيها. وكانت أمه ايضاً من أسرة وجيهة يعرفون بآل سبيكة ، اشتهر منهم غير واحد بالوجاهة والأدب وكانت المعرة تحت سيطرة الدولة الحمدانية بحلب وأميرها يومئذ سعد الدولة أبو المعالي.
ولم يتم أبو العلاء الثالثة من عمره حتى أصابه الجدري فذهب بيسرى عينيه وغشي يمناها بياض. فكفّ بصره وهو طفل وكان يقول : « لا أعرف من الألوان إلا الأحمر لأني البست في الجدري ثوباً مصبوغاً بالعصفر ». لقنه أبوه النحو واللغة في حداثته ثم قرأ على جماعة من أهل بلده ـ ولما أدرك العشرين من عمره عمد الى سائر علوم اللغة وآدابها فاكتسبها بالمطالعة والاجتهاد ـ وكان يقيم أناساً يقرأون له كتبها وأشعار العرب وأخبارهم. وهو قوي الحافظة الى ما يفوق التصديق.
وكان مطبوعاً على الشعر نظمه قبل أن يتم الحادية عشرة من عمره. ولم يمنعه العمى من مباراة بأرباب القرائح في ما اشتغلوا به حتى في العابهم فقد كان يلعب الشطرنج والنرد ويجيد لعبهما لا يرى في العمى نقصاً. بل هو كان يقول « احمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر » وكان يرتزق من وقف يحصل له منه ثلاثون ديناراً في العام ينفق نصفها على مَن يخدمه.
ورحل في طلب العلم على عاداتهم في ذلك العهد فأتى طرابلس واللاذقية وسواهما من بلاد الشام وأخذ فلسفة اليونان عن الرهبان ـ ثم رحل الى بغداد سنة 398 وشهرته قد سبقته اليها فاستقبله علماؤها بالحفاوة. واطلع في أثناء اقامته هناك على فلسفة الهنود والفرس فضلاً عن سائر العلوم. حتى اذا نضج عقله وأمعن النظر في الوجود رأى الدنيا كما هي فزهد فيها وعزم على الاعتزال ليتسنى له التأمل والتفكير. فغادر بغداد سنة 400 هـ وأتى المعرة ولزم بيته وسمى نفسه « رهين المحبسين » وأخذ بالتأليف والنظم وتدوين أفكاره وآرائه


--------------------------------------------------------------------------------

(309)
ومحفوظه في الكتب. وانقطع عن أكل اللحم من ذلك الحين واقتصر على النبات كما يفعل النباتيون اليوم ـ اقتبس ذلك من آراء البراهمة الهنود فذهب مذهبهم فيه رفقاً بالحيوان وتجافياً عن إيلامه. ولزم الصوم الدائم.
قضى ابو العلاء في هذه العزلة بضعاً وأربعون سنة وأكله العدس وحلاوته التين وهو يؤلف وينظم والناس يتوافدون اليه ليسمعوا أقواله وأخباره أو يكاتبوه في استفهام واستفتاء ويأخذوا عنه العلم مجاناً حتى توفاه الله سنة 449.
وكان معدوداً من أقطاب العلم والأدب والشعر ويمتاز بأنه لم يتكسب بشعره.
مؤلفاته :
خلف مؤلفات في الشعر وفي الادب ـ أما اشعاره فاشهرها :
1 ـ اللزوميات : وهو ديوان كبير طبع في بمباي سنة 1303 هـ. ثم في مصر سنة 1895 في نحو 900 صفحة. في صدرها مقدمة في الشعر وشروطه وقوافيه على اسلوب انتقادي يدل على رسوخ قدمه في اللغة والشعر. وذكر ما التزمه في نظم هذا الديوان من الشروط اهمها التزام حرفين في القافية وقد نظمه في اثناء عزلته وضمنه كثيراً من آرائه في الوجود والخليقة والنفس والدين. فكان له وقع عند أصحاب الفلسفة فقالوا : « ان أبا العلاء أتى قبل عصره باجيال » وتمتاز اشعاره في عزلته بصبغه سوداوية تشف عن سوء ظنه في الحياة ويأسه من أسباب السعادة لعل سببها اختلال عمل الهضم بتوالي الصوم والاقتصار على نوع او نوعين من الأطعمة. على ان اكثر اشعاره في الفلسفة والزهد والحكم والوصف ويندر فيها المدح او التشبيب. وقد نقل امين افندي ريحاني بعض رباعياته الى الانكليزية نشرت في اميركا منذ بضع سنين وترجم بعض اشعاره ايضاً جورج سلمون الى اللغة الفرنسية ونشرها في باريس سنة 1904.


--------------------------------------------------------------------------------

(310)
2 ـ سقط الزند : وهو ديوان آخر نظمه قبل العزلة. طبع مراراً.
3 ـ ضوء السقط : يقتصر على ما نظمه في الدرع طبع في بيروت سنة 1894.
اما الادب فله مؤلفات عديدة ربما زادت على خمسين كتاباً أكثرها في اللغة والقوافي والنقد والفلسفة والمراسلات ضاع معظمها واليك ما بلغ الينا خبره منها :
4 ـ رسائل أبي العلاء : هي كثيرة لو جمعت كلها لبلغت ثمانمائة كراس وقد توخي فيها التسجيع والعبارة العالية والكلام الغريب نحو ما يفعلون في إنشاء المقامات فلا تفهم بلا تفسير وهي من قبيل الشعر المنثور في وصف الخلائق كالنمل والجراد والنسر والفيل والنحل والضفدع والفرس والضبع والحية ونحوها من الحيوانات. غير وصف الاماكن والمواقف والثياب والمآكل وغيرها مما يحسن تحديه لولا ما فيه من اللفظ الغريب. ولكن معظمها ضاع وقد جمع أكثر ما بقي منها في كتاب طبع في بيروت سنة 1894 مضبوطاً بالحركات. وطبع ايضاً في اكسفورد سنة 1898 بعناية الاستاذ مرجليوت المستشرق الانكليزي مع ترجمة انكليزية وتعاليق وشروح تاريخية وادبية مفيدة. وقد صدرها بمقدمة في ترجمة المؤلف بالانكليزية وذيلها بما ذكره الذهبي من ترجمته وختمها بفهرس للاعلام.
5 ـ رسالة الغفران : هي جملة رسائله ولكننا أفردناها بالكلام لانها طبعت على حدة ولها شأن خاص من حيث موضوعها. وهي فلسفية خيالية كتبها في عزلته وضمنها انتقاد شعراء الجاهلية والاسلام وادبائهم والرواة والنحاة على اسلوب روائي خيالي لم يسبقه اليه احد. فتخيّل رجلا صعد الى السماء ووصف ما شاهده هناك كما فعل دانتي شاعر الايطاليان في « الرواية الالهية » وما فعل ملتن الانكليزي في « ضياع الفردوس » لكن أبا العلاء سبقهما ببضعة قرون.


--------------------------------------------------------------------------------

(311)
لأن دانتي توفي سنة 720 هـ وملتن نحو سنة 1084 هـ وتوفي ابو العلاء سنة 449 هـ فلا بدع اذا قلنا باقتباس هذا الفكر عنه. واقدمها ( دانتي ) لم يظهر الا بعد احتكاك الافرنج بالمسلمين. والايطاليان أسبق الافرنج الى ذلك. ونقسم مواضيع رسالة الغفران الى قسمين ادبي لغوي ونوادر خيالية عن بعض الزنادقة ومستقلي الافكار والمتنبئين ونحوهم ممن توالى ظهورهم في اثناء التمدن الاسلامي. ويتخلل ذلك محاورات مع الشعراء الجاهليين يسألون فيها عما غفر لهم به فيذكر كل منهم شعراً قاله أو عملا عمله فغفر له به. ومنها تسمية هذه الرسالة برسالة الغفران ـ كأنه يعرض بما يرجوه من المغفرة لنفسه عما فرط منه أحياناً من الابيات التي يعدها الناس كفرية. وقد طبعت هذه الرسالة بمصر سنة 1906 ولخصناها في السنة 15 من الهلال من صفحة 279.
6 ـ ملقى السبيل : هي رسالة فلسفية نشرتها مجلة المقتبس سنة 7 ج 1 عن أصل خطي قديم وجد في الاسكوريال بعناية ح. ح. عبد الوهاب التونسي. وهي على نسق رسائله الأخرى لكن أكثرها منظوم. وقد قابل الناشر بين آراء المعري فيها واراء شوبنهور الفيلسوف الالماني من حيث الحياة ومصيرها وطبعها على حدة سنة 1912.
7 ـ كتاب الايك والغصون ويعرف باسم الهمزة والردف : يبحث في الادب واخبار العرب يقارب مئة جزء ضاع منذ بضعة قرون وإنما ذكرناه لعل أحداً يعثر على شيء منه إذ يظهر أنه عظيم الاهمية فقد قال فيه الذهبي « حكى مَن وقف على المجلد الاول بعد المئة من كتاب الهمزة والردف فقال : لا أعلم ما كان يعوزه بعد هذا المجلد » وعنى أبو العلاء بشرح كتب هامة أو اختصارها مرّ ذكر بعضها. منها شرح الحماسة منه نسخة خطية في المكتبة الخديوية في 442 صفحة وهو شرح لغوي وكان مشاركا في كثير من علوم الاقدمين كالفلسفة والكيمياء والنجوم والمنطق ويظهر أثر ذلك في أشعاره وأقواله. ولو أردنا الاتيان بامثلة منها لضاق بنا المقام ودواونيه شائعة فميزناه


--------------------------------------------------------------------------------

(312)
نجلو ترجمته من الامثلة الشعرية كما ميزنا المتنبي قبله. وقد تقدم ذكر شيء من شعره في كلامنا عن مزايا الشعر في هذا العصر وغيره. وسنأتي بأمثلة اخرى في أمكنة أخرى.
منزلته :
ويقال بالاجمال ان الشعر العربي دخل بعد المعري في طور جديد من حيث النظر في الطبيعة والتفكير في الخلق والحكمة الاجتماعية. فانتقل الشعر على يده من الخيال الى الحقيقة. واختلف الناس في مناقب أبي العلاء واخلاقه واعتقاده. وله فلسفة خاصة في الدين والطبيعة والخليقة. وهو أقرب من هذا القبيل الى مذهب اللا أدريين ويعتقد التقمص وخلود المادة وان الفضاء لا نهاية له. وكان يقبح الزواج ويعد تخليف الا ولاد جناية. وكان يرى المرأة لا ينبغي لها أن تتعلم غير الغزل والنسج وخدمة المنزل. وكان من القائلين بالرفق بالحيوان فقضى النصف الأخير من عمره لم يذق لحماً. وله أقوال في هذا الموضوع سبق بها أصحاب الرفق بالحيوان اليوم عدة قرون. وعثر له الاستاذ مرجليوث على رسالة في هذا الموضوع جزيلة الفائدة نشرها في المجلة الاسيوية الانكليزية ولخصناها في الهلال سنة 15 ج 4.
وقد اتهمه بعضهم بالكفر وكانوا يتهمون به كل حُر الضمير مستقل الفكر في تلك الايام. مع أن اعترافه بالخالق ووحدانيته ظاهرة في كثير من أشعاره لكنه لم يكن يرى الاعتقاد بالتسليم بل التفكير. وكان حقيقة الدين عنده أن يعمل الانسان خيراً لا أن يكثر من الصلوة والصوم. ولذلك كان شديد الوطأة على الفقهاء الذين يتظاهرون بالدين للارتزاق. وقد فصلنا ذلك وايدناه بالامثلة من أشعاره واقواله في السنة الخامسة عشرة من الهلال من صفحة 195.


--------------------------------------------------------------------------------

(313)
فمن شعره في الزهد : ضحكنا وكان الضحك منا سفاهةً يحطّمُنا صرف الزمـان كأنـنا وَحُقّ لسُكّان البسيطة أن يبكوا زُجاجٌ ولكن لا يُـعاد لَنا سَبك
ومن شعره في الزهد : فـلا تشـرّف (1) بدنيا عنك معرضةً واصرف فؤادك عنها مثلما انصرفت يـا أم (3) دفـرٍ لحـاكِ الله والـدةً لو أنّك العُرس أوقعتُ الطـلاق بها فما التشرّف بالدنيا هو الشـرف فكلنا عن مغـانيها (2) سينصرف فيك الخناء وفيكِ البؤس والسرف لكنك الأمّ مالـي عـنكِ مُنصرف
وكتب الحموي في معجم الادباء ترجمة وافية لابي العلاء وأورد طائفة كبيرة من اشعاره وذكر جملة من مؤلفاته قال : ومنها كتاب بعض فضائل امير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ثم أورد جملة من رسائله وفي سوء اعتقاده وقال : فمنها قوله :
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ اصلها تتشرف فحذف أحد التائين تخفيفا.
2 ـ جمع مغنى وهو المحل المأهول بأهله.
3 ـ كنية الدنيا.

--------------------------------------------------------------------------------

(314)
تناقضُ ما لنـا إلا السكوت له يدٌ بخمس مئين عسجد (1) فُديت وان نعوذ بمـولانـا من النار ما بالُها قُطعت في ربع دينار (2)
أقول وهناك من رد عليه وابان له الحكمة فقال : عزُ الأمانة اغلاها وارخصها ذُل الخيانة فافهم حكمة الباري
وقال آخر : لما كانت امنية ثمينة ولما خانت هانت.
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ العسجد : الذهب ، مقدار دية اليد على من اتلفها.
2 ـ استفهام انكاري متضمن معنى التعجب.

--------------------------------------------------------------------------------
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alrefaee.forumegypt.net
 
ابو العلاء المعرى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الفخرانى الرفاعى :: الفئة الأولى :: المنتدى الأول-
انتقل الى: