يقول روزبهان المصرى ...فى العشق....
العشقُ محمودٌ على أية حالٍ، سواء كان فى مقام العشق للطبيعيات، أو للروحانيات. لأن العشق الطبيعى، هو منهاج العشق الربانى. ولا يُستطاع حَمْلُ أثقال العشق الإلهى، إلا على مثل هذا المركب. كما لا يُستطاع احتساء روائق صفاء الجمال الإلهى، إلا فى أقداح أفراح الصور الحسية فالعشقُ الطبيعىُّ والعشقُ الروحانى والعشق الإلهى، جواهرُ ثلاثٌ، مستمرةٌ دوماً فى الحركة. ولما أراد تع
الى، أن يفتح كنـز الذات بمفتاح الصفات، تجلَّى على أرواح العارفين بجمال العشق، وظهر بصفاتٍ خاصة. وأثَّرت الصفاتُ فيهم، والصفةُ قائمة بالذات، فأصبحت صفتهم قائمة من أثر ذلك. (ولكن) لا يوجد من «الحلول» شىءٌ فى هذا العالم، (لأن) العبدَ عبدٌ، والرَّبَّ ربٌّ. وأصلُ العشق قديمٌ، وعُشَّاقُ الحق قدماءُ. العشقُ لبلابُ الأرض القديمة، الذى التفَّ حول روح العاشق.. العشقُ سيفٌ يقطع رأس الحدوث (المحدودية الإنسانية) من العاشق، وهو ذروةُ قاعدة الصفات (الإلهية) فما وصلتها روحُ العاشق إلا واستسلمت للعشق. وكل من صار معشوقاً للحق، وعاشقاً للحق، لا يستطيع النـزول من تلك الذروة
، ويصير فى العشق متَّحِداً بالعشق. وإذا اتَّحد العاشقُ والمعشوقُ، صارا بلونٍ واحد. وعندئذٍ يصبح العاشقُ، حاكماً فى إقليم الحق. العشقُ كمالٌ من كمال الحق. فإذا اتصل العاشق، تحوَّل من الحدوث المحض. يصبح باطنه ربانيَّا، ولا يتغير من حوادث الدهور، وصروف الزمان، وتأثير المكان. فإذا بلغ عين الكمال، تزول ستائر الربوبية.. وليس فى العشق مقصودٌ (مطلب) فالعشق مع المقصود، ليس بموجود. العشقُ والمقصود، كُفْرٌ. وليس للصورة مكانٌ فى العشق، لأن العقل والنفس ليسا معاً فى طريق العشق. فالعشق، هو الطائرُ الصاهرُ للروح.. الأمرُ والنهى، منسوخان فى طريق العشق.. والكُفر والدين حُجبا عن سراى العشق.. والآفاقُ محترقةٌ بإشراق العشق.. والكونُ مضمحلٌّ تحت حافر فرس العشق. وجوهرةُ العشق عُجنت من الأزل.. وكُلُّ مَنْ ظهر له طريقُ العشق، يخطف جوهر أوصافه من هذه التربة.. وليس فى العشق مجوسيةٌ ولا كُفر، ولا شراسةٌ ولا بلاهة. وصِفَةُ العُشَّاق كمالُ الحيرة، والخضوعُ صِفَةُ المتيَّمين.. الجنة مأوى الزاهدين، والحضرة مَثْوى العاشقين! ليس فى العشق فجاجة، وليس فى طريقه عجزٌ ولا ضعف. وكلُّ ما قلناه، ليس من صفة العشق والعاشق (لأن اللغة لا تقدر على بيانه) ونهايةُ العشق، بدايةُ المعرفة. والعشق فى المعرفة، مبنىٌّ على الكمال. وإذا اتحد العاشقُ بالمعشوق، بلغ مقام التوحيد. وإذا تحيَّر فى المعرفة، فقد أحرز مقام المعرفة