إذا مـــا صـــحَّ ودُّكَ لا أُبــــالـــــي *** بـمـن فـي الأرض .. و الـسـبـع الـعـوالي!!
و لـو كــل الـخـلائـق واصـلـتـنـي *** ســـواك .. فـلـيـس هــذا بـالــوِصــــالِ ..
و جـنـات الـنـعـيـم .. و ما حَـوَتـهُ *** مـن الـخـيـرات .. لـسـت بـهـا أُبـــالـــي
فـأنـت الـجـنـة الـعـظمى لروحي *** و قـلـبـي .. و الـفـؤاد .. و كـل مــالــي
فـيـا مـن رُمْـتَ فـردوسـاً و عـدنـاً *** أراك نـــزلــت عــن كـنــز الــغـوالــي
به استمسك .. و صلِّ عليه دوماً *** عـسـى تـحـظـى بـأنـوار الـكـمـالِ
عـلـيـه الله صــلــى مـــا تـوالــت *** فــتـوح الــعـارفــيـن بـكــل حـــالِ له
.
أمـــا الحبيب "محمدٌ" *** فهو المُحِبُّ لــذاتِـــنا
مــا مثـــلُهُ أبــداً نبــيٌّ *** أو رســولٌ أحسَــنا
هو خير خلقي.. مُفرَدٌ *** عِنــدي بِهِ كـل السَنَا
نــوري و هديي.. فيه *** رحمتُـنا و لُــبُّ ودادنــا
لا تعرِف الأكـــوان قَدْر *** "محمدٍ" في قُــدْسِنـا
كـــرَّمتُــهُ و رفعْتُــهُ *** أعلَى مــراتِــبِ قُــرْبِــنــا
و شَرَحت صدْر نبيِّنا *** و رفــعــت ذِكْـــر رسولِنا
و وضَــعــت وِزْر حبيبِنا *** و جعلت فيــه يُــسْرَنا
قد فـــاز مَن عَشِقَ *** الحبيب بكُل أفراح المُنَى
هو رحمتي و النــور فيه ***و سِرُّ نـــورِ صــفاتِــنا
و هو السلام بِــهِ يَصير *** العــبــْد حُـــرّاً آمِــنــا
هــو مـــؤمنٌ للمؤمنين *** و كـــل آتٍ مــؤمــنــا
هــو كِفلُهُم و ضمينهُم *** و هو المُشفَّعُ عنـدَنَا
أنـــا رازق الأكـوانِ *** و هو مُقــسِّــمٌ أرزاقـــنــا
أنا راحمٌ كـــل الوجـود *** و قـــد تعالَى جـــدُّنـــا
إنِّي أنــا الرحمن و هو *** الرحمةُ العُظــمَى لنــا
و القلب إن عَشِقَ الرسول **** يصير غضّاً ليِّنــا
صـــلِّ عليــه فـــإنهُ *** دومـــاً لـــه صلــواتُـــنـــا
مقتطفة من قصيدة "الشهود (ب-النبي)" – لعبد الله / صلاح الدين القوصى
سيدي عبد السلام بن سليمان المعروف بمشيش بن أبي بكر بن علي العلمي الإدريسي بن بوحرمة بن عيسى بن سلام العروس بن أحمد مزوار الإدريسي بن علي حيدرة بن محمد بن إدريس الثاني بن إدريس الأول بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب و فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم تسليماً. كانت ولادته سنة 559هـ / 1163م ببني عروس قرب العرائش بمسافة 71 كلم. حياة ابن مشيش
تعلم في الكتّاب فحفظ القرآن الكريم وسنه لا يتجاوز الثانية عشر ثم أخذ في طلب العلم كان ابن مشيش شخصاًّ سوِّياًّ يعمل في فلاحة الأرض كباقي سكان المنطقة ولم يكن متكلا على غيره في تدبير شؤون معاشه تزوّج من ابنة عمه يونس وأنجب منها أربعة ذكور هم: محمد وأحمد وعلي و عبد الصمد وبنتاًّ هي فاطمة.
ولم يكن الشيخ منكبا على العبادة كما يرى البعض بل الظاهر من خلال أعماله أنه قسم حياته إلى ثلاثة مراحل أعطى المرحلة الأولى للحياة العلمية وأعطى الثانية للانشغال بالأولاد و الجهاد و أعطى المرحلة الثالثة للعبادة حيث اختار المقام في الجبل الذي هو به في قرية أدياز الفوقان
هو به في قرية أدياز الفوقاني حتى مات شهيداً
شيوخه وتلامذته
كان رضي الله عنه ذا جد واجتهاد ومحافظة على الأوراد قطع المقامات والمنازلات حتى نفذ إلى طريق المعرفة بالله, فكان من العلم في الغاية و من الزهد في النهاية.
من مشايخه في الدراسة العلمية العلامة سيدنا أحمد الملقب (أقطران) وهو دفين قرية أبرج قرب باب تازة, ومن مشايخه شيخه في التربية والسلوك الرباني, سيدنا عبد الرحمن بن حسن العطّار الشهير بالزيات, الذي أخذ عنه علوم القوم التي مدارها على التخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم, فنال من ذلك الحظ الأوفر. وقد صرَّح القطب عبد السلام ابن مشيش بأن شيخه (عبد الرحمن المدني) كان ياتيه من المدينة المنورة طيًّا للتربية والتسليك, كما نقله عنه تلميذه أبو الحسن الشاذلي.
وقال العارف بالله محمد بن مسعود الفاسي المكي في كتابه "الفتوحات الربانية" : أتى لمولانا عبد السلام ابن مشيش – أي شيخه عبد الرحمن المدني – لما وقع الجذب وهو ابن سبع سنين, فدخل عليه وهو عليه سمة أهل الله فقال له: أنا شيخك ! وأخبره عن أموره وأحواله ومقاماته مقاماً مقاماً. وقال له: أنا واسطتك في كل حال ومقام!
وقد سئل ابن مشيش بعد ذلك: هل كنت تأتيه أو يأتيك؟ فقال: كل ذلك قد كان! فقيل له: طياًّ أو نشراً؟ قال: طياًّ !
مآثره العلمية
لعل قلة المآثر عن سيدنا عبد السلام بن مشيش, مع عظم قدره الذي رأيناه في تلميذه أبي الحسن الشاذلي, هو أنه كان شديد الخفاء, فمن أدعيته "اللهم إني أسألك اعوجاج الخلق عليّ حتى لا يكون ملجئي إلا إليك" وقد استجاب الله للشيخ مراده فبلغه من الخفاء حتى لم يعرفه إلا الشيخ أبو الحسن الشاذلي, الذي صارت الطريقة تنسب له.
أما مآثره العلمية التي وصلتنا عن طريق تلميذه سيدي أبو الحسن, فهي مجموعة من المرويات التي تتميز بنقاء العبارة وصفائها وتوافقها مع الكتاب والسنة منها.
قال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه:
أوصاني شيخي فقال : لا تنقل قدميك إلا حيث ترجو ثواب الله ولا تجلس إلا حيث تأمن غالباً من معصية الله, ولا تصحب إلا من تستعين به على طاعة الله والتزم الطهارة من الشكوك كلما أحدثت تطهرت ومن دنس الدنيا, كلما ملت إلى الشهوة أصلحت بالتوبة ما أفسدت بالهوى أو كدت, وعليك بصحبة الله على التوقير والنزاهة.
ومن أهم ما وصلنا من النصوص لسيدي عبد السلام بن مشيش هو نص الصلاة المشيشية, وهو نص فريد ما إن تخالط كلماته الروح حتى تحلق بصاحبها في أجواء من السمو وملكوت الجمال, وقد كانت محط أنظار الشرَّاح
الصَّلاة المشيشيّة
اللهمَّ صلِّ على مَنْ منهُ انشقَّت الأسرار, وانفلقَتِ الأنوارُ، وفيهِ ارتقَتِ الحقائقُ، وتنزَّلتْ عُلومُ آدمَ فأعجزَ الخلائقَ ، ولهُ تضاءَلتِ الفُهومُ فَلمْ يُدْرِكْهُ منّا سابقٌ ولا لاحِقٌ ، فرياضُ الملكوتِ بزهرِ جماله مونِقةٌ ، وحياضُ الجبروتِ بِفيضٍ أنوارِهِ مُتدفّقةٌ ، ولا شيءَ إلا وهوَ به منوطٌ ، إذ لولا الواسِطةُ لذهَبَ كما قيلَ الموسوطُ ، صلاةً تليقُ بكَ مِنكَ إليهِ كما هو أهلهُ ، اللهمَّ إنّه سرُّكَ الجامعُ الدَّالُّ عليكَ ، وحِجابُكَ الأعظمُ القائمُ لكَ بينَ يديكَ ، اللهمَّ ألحقْنِي بنسبِهِ ، وحقِّقْنِي بحسَبِهِ وعرِّفني إِيَّاهُ مَعرفةً أسْلمُ بها مِن مواردِ الجهلِ ، وأكرعُ بِها مِنْ مَوارِدِ الفَضل . واحملني على سَبيلِهِ إلى حَضْرتِكَ حَمْلاً محفوفاً بِنُصْرَتِكَ ، واقذفْ بي على الباطل فأدمغَهُ ، وزُجَّ بي في بحار الأَحَدِيَّة ، وانشُلني من أَوْحالِ التَّوحيدِ ، وأغرقني في عين بحْرِ الوَحدةِ ، حتى لا أرى ولا أسمَعَ ولا أَجِدَ ولا أُحِسَّ إلا بها ، واجعلْ الحِجابَ الأعظمَ حياةَ رُوحي ، ورُوحَهُ سِرَّ حقيقتي ، وحقيقَتَهُ جامعَ عَوالمي ، بتحقيقِ الحقِّ الأوّلِ ، يا أَوّلُ يا آَخِرُ يا ظاهِرُ يا باطنُ ، اسمع ندائي بما سمعْتَ به نداءَ عبدِكَ زكريا ، وانصُرني بكَ لكَ ، وأيّدني بكَ لكَ ، واجمعْ بيني وبينَك وحُلْ بيني وبينَ غَيرِك ، اللهُ ، اللهُ ، اللهُ (( إنَّ الذي فرضَ عليْكَ القُرآنَ لرادُّكَ إلى معادٍ )) ، (( ربَّنا آتِنَا مِنْ لدُنْكَ رحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً )) (ثلاثاً)
وفاته
ولعل سبب خروج سيدي عبد السلام من خلوته تصديه لابن أبي الطواجن الكتامي الذي ادعى النبوة وقد أثر في بعض الناس من أبناء عصره، فحمل عليه وعلى أتباعه بالمنطق والأدلة الدينية قولاً وعملاً حملات شعواء، حفزتهم على الكيد له وتدبير مؤامرة لقتله، فبعث بجماعة للشيخ كمنوا له حتى نزل من خلوته للوضوء والاستعداد لصلاة الصبح فقتلوه سنة 626 للهجرة / 1228م, رحمه الله رحمة واسعة، وجمعنا به في مقعد صدق عند مليك مقتدر وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
و في رواية أخرى: سيدى عبد السلام بن مشيش بن أبي بكر علي بن حرمه، واشتهر في الغرب بمشيش ، من أهل المغرب الأقصى ، فقد قال الشيخ محي الدين عبد القادر بن الحسيني بن على الشاذلي في كتابه الكواكب الزاهرة في اجتماع الأولياء بسيِّد الدنيا والآخرة : ابن بشيش، بالباء الموحدة، بن منصور بن إبراهيم الحسنى الإدريسي من ولد إدريس بن عبد الله، ومقامه بالمغرب كالشافعي بمصر ،هو أستاذ أبي الحسن الشاذلي, و أخذ عن القطب الشريف السيد عبد الرحمن الحسنى المدني العطار الزيات, رحل إلى المشرق ثم عاد وأقام مدة في (بجاية) ثم رجع إلى موطنه في (جبل العلم) قرب (تطوان), قتل شهيدا في رباط جبل العلم في مقاومة ابن أبي الطواجن الساحر ودفن في موطنه .
لما توفي سيدي عبد السلام بن مشيش لم يترك إرثا لأولاده الثلاثة سوى, مصحفا و سيفا و مسبحة:
- وارث المصحف, خرج من ذريته علماء
- وارث السيف, خرج من ذريته مجاهدون
- وارث المسبحة, خرج من ذريته الذاكرين الله, و صاحبنا منهم