إبراهيم الخواص...شاعر الصوفيّة الزاهد المتوكّل
أحد كبار شعراء الصوفية، ممن أبدعوا قصائد تتهادى إلى الجميع من دون عنت ولا عناء. فيها ما يخاطب الوجدان، بقدر ما تنطوي على أفكار يقبلها العقل، وإن كانت غالبيتها تدور حول الزهد. وقد بلغ في التصوّف شأناً إلى درجة أن كثيرين كانوا يعدّونه أحد أقران الجنيد والنوري، نظراً الى ما كان له في التوكّل والرياضة الروحية حظ كبير، وهو ما يدل عليه قوله الأثير: «دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن الكريم بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرّع عند السّحَر، ومجالسة الصالحين».
هو أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل الخواص، أخذ عن أحمد المرواني أبي القاسم وصحب أبا عبد الله المغربي، ومن مريديه أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الحنفي الشعراني وزين الدين القزويني. وقد سمي الخواص نسبة إلى الأخوص، وربما إحالة إلى عمله بصناعة الخوص. ولد في مدينة سامراء العراقية، وعرف بكثرة الحج إلى مكة، إذ قال: «سلكت البادية إلى مكة سبعة عشر طريقاً، منها: طريقٌ من ذهب! وطريقٌ من فضّة».
شهد للخواص كثيرون، منهم ممشاذ الدينوري، الذي قال: كنت يوماً في مسجدي بين النائم واليقظان، فسمعت هاتفاً يهتف: إن أردت أن تلقى وليًّا من الأولياء فامضي إلى تلّ التوبة. فقمت وخرجت، فإذا أنا بثلج عظيم، فذهبت إلى تلّ التوبة، فإذا إنسان قاعد مربع على رأس التلّ وحوله خالٍ من الثلج قدر موضع خيمةٍ، فتقدمت إليه، فإذا هو إبراهيم الخوّاص، فسلّمت عليه وجلست إليه، فقلت: بماذا نلت هذه المنزلة؟ فقال: بخدمة الفقراء.
وقال منصور بن الحربي: سمعت عمر بن سنان يقول: {اجتاز بنا إبراهيم الخواص، فقلنا له: حدثنا بأعجب ما رأيته من أسفار فقال: لقيني الخضر عليه السلام فسألني الصحبة فخفت أن يفسد عليَّ توكلي بسكوني إليه ففارقته}.
وقيل إن الخواص كان يحمل دوماً إبرة وخيوطاً وركوة ومقراضاً، فقيل له: يا أبا إسحاق لم تحمل هذا وأنت تمنع من كل شيء؟ فقال: مثل هذا لا ينقض التوكل لأن الله سبحانه و تعالى فرض علينا فرائض والفقير لا يكون عليه إلا ثوب واحد فربما يتخرق ثوبه فإذا لم يكن معه إبرة وخيوط تبدو عورته فتفسد عليه صلاته، وإذا لم يكن معه ركوة تفسد عليه طهارته، وإذا رأيت الفقير بلا ركوة ولا إبرة ولا خيوط فاتهمه في صلاته.
ويروى أنه سمع ذات يوم صوت لهو ومجون وعبث ينبعث من أحد البيوت فهمّ بنصح أهله فتوجه إليه وإذا بكلب شرس يعترضه فعاد من حيث أتى وهو مطأطئ الرأس ودخل المسجد وصلى ثم خرج وعاود المحاولة فلم يجد للكلب أثراً. فلما اقترب من باب البيت خرج إليه شاب مشرق الوجه مبتسماً وهو يرحب به معتذراً: لو أرسلت في طلبي لأتيتك ولك عليّ عهد الله إلا أعود لما يزعجك أبداً ووفى الشاب بعهده. ولما سئل إبراهيم: ما منعك من الدخول المرّة الأولى؟ قال: لو كانت نيتي في المرة الأولى خالصة لما اعترضني شيء فكان عليّ أن أصححها ففعلت واستغفرت ربي فوفّقت لما أريد.
وقال همّام بن الحارث: سمعت إبراهيم الخوّاص، يقول: ركبت البحر، وكان معي في المركب رجلٌ يهوديٌّ فتأمّلته أيّامًا كثيرةً لا أراه يذوق شيئًا ولا يتحرّك ولا ينزعج من مكانه ولا يتطهّر ولا يشتغل بشيءٍ وهو ملتفٌّ بعباءٍ مطروحٌ في زاويةٍ ولا يفاتح أحدًا ولا ينطق فسألته وكلّمته فوجدته مجرّدًا متوكّلاً يتكلّم فيه بأحسن كلامٍ ويأتي بأكمل بيانٍ، فلمّا أنس بي وسكن إليّ قال لي: يا أبا إسحاق، إن كنت صادقًا ًفي ما تدّعيه فالبحر بيننا حتّى نعبر إلى السّاحل وكنّا في اللّجج فقلت في نفسي: وأذلاه إن تأخّرت عن هذا الكافر فقلت له: قم بنا فما كان بأسرع بأن زجّ بنفسه في البحر ورميت بنفسي خلفه فعبرنا جميعًا إلى السّاحل فلمّا خرجنا قال: يا إبراهيم، نصطحب على شريطة ألا نأوي المساجد ولا البيع ولا الكنائس ولا العمران فنعرف فقلت: لك ذلك حتّى أتينا مدينةً فأقمنا على مزبلةٍ ثلاثة أيّامٍ فلمّا كان يوم الثّالث أتاه كلبٌ في فمه رغيفان فطرحهما بين يديه وانصرف فأكل ولم يقل لي شيئًا ثمّ أتاني شابٌّ ظريفٌ نظيفٌ حسن الوجه والبزّة طيّب الرّائحة ومعه طعامٌ نظيفٌ في منديلٍ فوضعه بين يديّ وقال لي: كل وغاب عنّي فلم أر له أثرًا فقلت لليهوديّ: هلمّ، فلم يفعل ثمّ أسلم وقال لي: يا إبراهيم، أصلنا صحيحٌ إلا أنّ الّذي لكم أحسن وأصلح وأظرف، وحسن إسلامه وصار أحد أصحابنا المتحقّقين بالتّصوّف.
وكان العلم والمعرفة من القضايا الرئيسة التي شغلت الخواص، وكانت له فيها أقوال مأثورة. وقد عرف العلم تعريفاً مختلفاً ولافتاً في آن، إذ لخّصه كله في كلمتين: «لا تتكلف ما كفيت، ولا تضيع ما استكفيت». واعتبر أن «العالم ليس بكثرة الروايات، إنما العالم من اتبع العلم واستعمله، واقتدى بالسنن وإن كان قليل العلم». وكان يقول: «علم العبد بقرب قيام اللّه على العبد يوحشه من الخلق ويقيم له شاهد الأنس باللّه، وعلم العبد بأنّ الخلق مسلّطون مأمورون يزيل عنه خوفهم ويقيم في قلبه خوف المسلّط لهم». وفي هذا مدح الخواص أربعة هم: عالمٌ مستعملٌ لعلمه، وعارفٌ ينطق عن حقيقة فعله، ورجلٌ قائمٌ للّه بلا سببٍ، ومريدٌ ذاهبٌ عن الطّمع. وكان يقول: «لا يحسن هذا العلم إلا لمن يعبر عن وجده وينطق به فعله».
وبالطبع كان الخواص يتحدث في الغالب الأعم عن المعرفة الحدسية، وهو مما يدل عليه قوله: «علامة حقيقة المعرفة بالقلب خلع الحول والقوّة وترك التّملّك مع اللّه في شيءٍ من ملكه، ودوام حضور القلب بالحياء من اللّه، وشدّة انكسار القلب من هيبة اللّه، فهذه الأحوال دلائل المعارف والحقيقة فمن لم يكن على هذه الأحوال فإنّما هو على الأسماء والصّفات».
كان «التوكل» القيمة الرئيسة الكامنة في أقوال الخواص وأفعاله. وقد حصلت له حوادث علمته أن يتوكل على الله، فقد روي عنه أنه قال: لقيت غلاماً في التيه كأنه سبيكة فضة، فقلت: إلى أين يا غلام؟ فقال: إلى مكة حرسها الله، فقلت: هل تسير بلا زاد ولا راحلة ولا نفقة ؟ فقال لي: يا ضعيف اليقين، الذي يقدر على حفظ السموات والأرض، ألا يقدر أن يوصلني إلى مكة المكرمة بلا علاقة؟ قال: فلما دخلت مكة المكرمة حرسها الله فإذا أنا به في الطواف.
وثمة حكاية أخرى تسند هذا المسار، تروى عن الخواص، إذ قال: طلبت المعاش لأكل الحلال، فاصطدت السمك، وذات يوم وقعت في الشبكة سمكة فأخرجتها وطرحت الشبكة في الماء فوقعت فيها سمكة أخرى فرميت بها ثم عدت، فهتف بي هاتف: لم تجد معاشاً إلا أن تأتي من يذكرنا فتقتلهم ، قال: فكسرت القصبة وتركت الصيد.
وفي التوكل كان الخواص يقول: «العارف باللّه يحمله اللّه بمعرفته، وسائر النّاس تحملهم بطونهم ومن نظر الأشياء بعين الفناء كانت راحته في مفارقتها، ولم يأخذ منها إلا لوقته». وكان يقول أيضاً: «الرّزق ليس فيه توكّلٌ إنّما فيه صبرٌ حتّى يأتي اللّه به في وقته الّذي وعد وإنّما يقوى صبر العبد على قدر معرفته بما صبر له أو لمن صبر عليه، والصّبر ينال بالمعرفة وعلى الصّابر حمل مؤونة الصّبر حتّى يستحقّ ثواب الصّابرين؛ لأنّ اللّه تعالى جعل الجزاء بعد الصّبر قال اللّه تعالى: «وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ قال إنّي جاعلك للنّاس إمامًا». فالجزاء إنّما وقع له عليه السّلام بعد ما أتمّ حمل البلوى. وقال كذلك: «من صح توكله في نفسه صح توكله في غيره».
كان الخواص ينظر إلى «التّوكّل» بوصفه قيمة مركبة، تقوم على ثلاث درجاتٍ هي: الصّبر والرّضا والمحبّة، لأنّه إذا توكّل وجب عليه أن يصبر على توكّله بتوكّله لمن توكّل عليه وإذا صبر وجب عليه أن يرضى بجميع ما حكم عليه وإذا رضي وجب عليه أن يكون محبًّا لكلّ ما فعل به موافقةً له.
سئل الخواص ذات يوم عن التوكل فأطرق ساعة ثم قال: إذا كان المعطي هو المانع فمن يعطي، وراح يتلو الآية الكريمة التي يقول فيها رب العزة سبحانه وتعالى: «وتوكّل على العزيز الرّحيم. الّذي يراك حين تقوم. وتقلّبك في السّاجدين» ثم قال: ما ينبغي للعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد غير الله ومن تعلق بغير الله أو سكن إلى علمه وعقله ودوائه وتمائمه واعتمد على حوله وقوته وكله الله إلى ذلك وخذله.
وقال الحسين بن منصور لإبراهيم الخواص: ماذا صنعت في هذه الأصفار وقطع هذه القفار؟ قال: بقيت في التوكل أصحح نفسي عليه. فقال الحسين: أفنيت عمرك في عمران باطنك فأين الفناء في التوحيد.
عني الخواص بتربية المريدين، وكانت لديه تقوم على الإخلاص وصفاء القلب. وكان من عادته أن يخوض مع المريد في كل رياضة كان يأمره بها كيلا يخطر بباله أن الشيخ يأمره بما لم يفعل فينفره ذلك من رياضته.
اعتبر الخواص أن الحركة للمريدين طهارةٌ ولسائر النّاس إباحةٌ وللمخصوصين عقوبةٌ لهم إذا مالوا إلى ما فيه الحظّ لأنفسهم لأنّ الأسباب إنّما تبطئ على العارفين وتمتنع عن الحركة إليهم لما فيهم من الحركة إليها فإذا فنيت آثارها تحرّكت إليهم وأقبل الملك بكلّيّته عليهم، وكفى بالثّقة باللّه مع صدق الانقطاع إليه حياطةً من العبد لنفسه وأهله وولده، وكلّ مريدٍ يتوجّه إلى اللّه وهموم الأرزاق قائمةٌ في قلبه فإنّه لا يفلح ولا ينفذ في توجّهه.
ركز الخواص أكثر على أهمية الفقر في هذه التربية. وكان يعرف الفقر بأنه «ترك الشكوى، وإظهار أثر البلوى». وكان الفقر لديه يقي النفس من كثرة الوساوس. والفقير لديه هو من ضعّف بدنه لكن قويت معرفته وصح توكله، والفقير «يعمل على إدراك حقيقة الإيمان وبلوغ ذروته، أما الغنيّ فيعمل على نقصانٍ في إيمانه وضعفٍ من معرفته، والفقير يفتخر باللّه عزّ وجلّ ويصول به. والغنيّ يفتخر بالمال ويصول بالدّنيا. والفقير يذهب حيث شاء، والغنيّ مقيّدٌ مع ماله، والفقير يكره إقبال الدّنيا، والغنيّ يحبّ إقبالها، والفقير فوق ما يقول والغنيّ دون ما يقول، والنّاس رجلان رجلٌ وعبدٌ، فالرّجل مهمومٌ بتدبير نفسه متعوبٌ بالسّعي في مصلحته والعبد طرح نفسه في ظلّ الرّبوبيّة وكان من حيث العبوديّة وعلى قدر حسن قبول العبد عن اللّه تكون معونة اللّه له، والمتوكّلون الواثقون بضمانه غابوا عن الأوهام وعيون النّاظرين، فعظم خطر ما أوصلهم إليه وجلّ قدر ما حملهم عليه وعظمت منزلتهم لديه، فيا طيب عيشٍ لو عقل، ويا لذّة وصلٍ لو كشف، ويا رفعة قدرٍ لو وصف».
عدد الخواص في تبيان صفات الفقراء، وهي أنّهم كانوا بوعد اللّه مطمئنّين، من الخلق آيسين، عداوتهم للشّياطين، كانوا من حيث الحقّ في الأشياء خارجين، وكانوا على الخلق مشفقين، وكانوا لأذى النّاس محتملين، وكانوا لمواضع العداوة لا يدعون النّصيحة لجميع المسلمين، وكانوا في مواطن الحقّ متواضعين، وكانوا بمعرفة اللّه مشتغلين، وكانوا الدّهر على طهارةٍ، كان الفقر رأس مالهم ، وكانوا في الرّضا في ما قلّ أو كثر وأحبّوا أو كرهوا عن اللّه واحدًا.
والفقير لدى الخواص، هو من كانت أوقاته مستويةً في الانبساط لفقره، صائنًا له محتاطًا لا تظهر عليه فاقةٌ، ولا تبدو منه حاجةٌ، أقلّ أخلاقه الصّبر والقناعة راحته في القلّة، وتعذيبه في الكثرة، مستوحشٌ من الرّفاهات متنعّمٌ بالخشونات، فهو بضدّ ما فيه الخليقة يرى ما هو عليه معتمده، وإليه مستراحه ليس له وقتٌ معلومٌ، ولا سببٌ معروفٌ فلا تراه إلا مسرورًا بفقره فرحًا بضرّه مؤنته على نفسه ثقيلةٌ وعلى غيره خفيفةٌ، يعزّ الفقر ويعظّمه ويخفيه بجهده ويكتمه حتّى عن أشكاله يستره، قد عظمت من اللّه تعالى عليه فيه المنّة وجلّ قدرها في قلبه من نعمةٍ فليس يريد بما اختار اللّه له بدلا ولا يبغي عنه حولا.
قال الخواص: «لا يصحّ الفقر للفقير حتّى تكون فيه خصلتان هما: الثّقة باللّه، والشّكر للّه فيما زوي عنه ممّا ابتلى به غيره من الدّنيا . ولا يكمل الفقير حتّى يكون نظر اللّه له في المنع أفضل من نظره له في العطاء، وعلامة صدقه في ذلك أن يجد للمنع من الحلاوة ما لا يجد للعطاء، لا يعرفه غير بارئه الّذي خصّه بمعرفته وأياديه فهو لا يرى سوى مليكه ولا يملك إلا ما كان من تمليكه فكلّ شيءٍ له تابعٌ وكلّ شيءٍ له خاضعٌ».
حضّ الخواص على الصبر، ورآه الثبات مع الله سبحانه وتعالى وتلقي بلائه بالرحب والدعة. وفي هذا قال: «من لم يصبر لم يظفر وإنّ لإبليس وثاقين ما أوثق بنو آدم بأوثق منهما: خوف الفقر والطّمع». وكان ينشد في هذا: صبرت على بعض الأذى خوف كله
ودافعت عن نفسي لنفسي فعزت
وجرعتها المكروه حتى تدربت
ولو جرعته جملة لاشمأزت
ألا رب ذل ساق للنفس عزة ويارب
نفس بالتذلل عزت
إذا ما مددت الكف
ألتمس الغنى
إلى غير من قال: «اسألوني» فشُلَّت سأصبر جهدي إن في الصبر عزة
وأرضى بدنيائي، وإن هي قلت
وكان الخواص يردف الصبر بالشكر، فها هو ينشد قائلاً:
أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر
أنا جائع أنا ضائع أنا عاري
هي ستة أنا الضمين لنصفها
فكن الضمين لنصفها يا باري
مدحي لغيرك لهب نار خضتها
فأجر عبيدك من لهب النار.
وإلى جانب التوكل والصبر عاش الخواص أحوال المتصوفة الأخرى، ومنها الزهد، والمراقبة، والمحبة، والصمت والجوع، وله في هذا أقوال معروفة. ففي الزهد قال: «من لم تبكِ الدنيا عليه لم تضحك الآخرة إليه، والإنسان في خلقه أحسن منه في جديد غيره، والهالك حقاً من ضل في آخر سفره وقد قارب المنزل».
أما المراقبة فهي لديه: {خلوص السرّ والعلانية لله عزّ وجل من الداخل ومن الخارج. والمحبة هي محو الإرادات وإحراق جميع الصفات والحاجات وإغراق نفسه في بحر الإشارات}. وكان يقول: {إن الله يحب ثلاثاً ويبغض ثلاثاً، فأما ما يحب: فقلة الكلام وقلة النوم وقلة الأكل، وأما ما يبغض: فكثرة الكلام وكثرة الأكل وكثرة النوم}.
كذلك أوضح: {من أراد اللّه للّه بدّل له نفسه، وأدناه من قربه. ومن أراده لنفسه أشبعه من جنانه، وأرواه من رضوانه». وكان ينشد:
عليلٌ ليس يبرئه الدّواء طويل
الضر يفنيه الشفاء
سرائره بوادٍ ليس تبدو
خفيّاتٌ إذا برح الخفاء
وقيل إن الخواص كان في أيامه الأخيرة يرفع أكفه بالضراعة لله تعالى، ويقول باكياً: «يا رب كبرت وقد ضعف جسمي وقلت عبادتي فأعتقني بفضلك من النار فإني لا أقدر على أن أمكث فيها لحظة».
مرض الخواص، وذات مرة كان يقوم إلى الماء ليتوضأ ويعود إلى المسجد ليصلي ركعتين، وكرر هذا مرات، وفي إحداها فاضت روحه، سنة 291 هـ، ودفن في بغداد، داخل ضريح الجنيد، كما تقول بعض الروايات.