تدفّق فيض من أمامي و قدوتي
على باطني قهرا بروح الحقيقة
فأفنى وجودي في الجمال تكرّما
وأغرقني بالفيض في الأحديّة
وقال لقلب تاه في أبحر الصّفاء
عليك بها صرفا فهذه خميرتي
لها المصطفى المختار من بين خلقه
مدير وساق يسقي كلّ الأحبّة
تجلّت بها للخلق من غير فاصل
فهامت بها أرواحهم مذ تجلّت
وكأسي لها في العمر غوث ومحور
وفرد فريد الحسن قطب الأيمّة
حوى من جمال يعجز النّطق وصفه
وأين وجود الوصف في فيض خمرتي
ففيه تلاشى الكون ثمّ فنى به
فصار هباءا بل أقلّ في نظرتي
فما كان كأس الخمر إلاّ لعزّه
ولولا سناه ما بدا سرّ قبضتي
فكانت ولازالت وصارت تشكّلا
وتبقى كما بالبدء حقّا تجلّت
لها الفضل في فتق لرتق مطلسما
واظهار سرّ كامن في الخليقة
أباحت لنا ما كان خاف ممنّعا
وأبدت لنا أنوار ذات خفية
ومنها ابتداء الذّوق والشّوق نابع
لعشّاقها من كأسها المستنيرة
كسته بثوب السّحر أصبح جاذبا
بحسن سناها كلّ عقل و همّة
لها ساترا حقّا و يبدي جمالها
لعين محبّ منه في الكأس هامت
كفاه ختام الكأس عن رشف خمره
وحيّره في الكأس أعظم حيرة
لأنّ جمال الكأس فيض جمالها
ومنها انتشار الحسن في كلّ صورة
وفيه به أشكال خلق تناثرت
ولكنّها دكّت به خير دكّة
فلا فصل بين الكأس و الختم يا فتى
فقد مزجا في السّرّ فافهم إشارتي
لقد كنت مخفيا و كنزا مطلسما
وحيدا ونورا واسعا كلّ وجهة
صفاءا عجيبا بل دقيقا و غامضا
وبحرا عظيما مظهرا أحديّتي
فشئت بمحض الفضل إظهار من أنا
فكان وجود الخلق فعل إرادتي
قبضت لخلق الخلق من نوري قبضة
موحّدة ذاتا و فعلا و صفة
وسلّطت قهري حتّى فاض دخانها
فكان سماوات وأرضا بقدرتي
وخلقي لها في ستة كان حكمة
وتعجيز من يبغي الوصول لحكمتي
وأنّي بها قد أردت إشارة
لستّ صفاة هنّ في البشريّة
أشرت بها للسّمع ثمّ تدرّجا
إلى بصر يدنيك من فهم قدرتي
وعلم تدلّى ظاهرا ثمّ باطنا
تدان كلاما واختفى بإرادتي
فلا نطق إلاّ من عزيز كلامنا
ولا سمع إلاّ من فصيح عبارتي
ولا بصر في الخلق إلاّ وناظري
له سابق في الحال من محض قدرتي
فمنّي استمدّ الكون سرّ حياته
وكان بقهري واضح العدمية
ولا مظهر في الكون إلاّ ظهوره
ظهوري ولكن قد بطنت لشدّة
ظهوري قديم سابق كلّ كائن
فمن ذاق هذا حار في واحديّتي
ظهرت بكلّ الخلق في قبضة البهاء
تلوّنت بالألوان من غير حصرة
فمنّي إليّ قد بعثت إشارتي
و منّي كموج البحر كانت خليقتي
فموج وبحر في الحقيقة واحد
فلا فضل عندي بين بحر وموجة
صفاتي موج قد بدا حسنها لديّ
وجود ظهور القبضة الأزليّة
وبحري ذاتي لا وجود لغيرها
وأين يكون الغير والكلّ وجهتي
فلا أوّل قبلي إذا كنت مبتدا
و لا حاصر حدّا لمعنى بدايتي
ولا آخر بعدي إذا دكّت السّماء
فلا حصر حقّا بعدها لنهايتي
لأنّي وحيد قد بدأت و عودتي
وكنت أبقى واحدا مثل بدأتي
فراشتي رأت النور الذي ظهرا
نور الوجود الحقيقي يخطف البصرا
وهاجها النفخ في الناي الرخيم
وقد بدا الجمال من الوجه الذي بهرا
فألقت النفس منها فيه فاحترقت
فلم تغادر لها عينا ولا أثرا
والناس قد جهلونا في فراشتنا
على اختلاف لهم في حقنا اشتهرا
فقال بعض هوت للنار تعبدها
والبعض قال عليها وهمها قهرا
وقال بعض لها عشق يهيج بها
فتحسب النار نورا والهوى غدرا
وكلهم أخطأوا فيها الصواب ولم
يشعر بها غير حر يعرف القمرا
يدري التجلي من الغيب الفريد على
من كان للفاعل الحق الحقيق يرى
هذا ومن عجب أن الفراشة لا
تبقى على حالها لما قضت وطرا
وكلما سقطت في الأرض محرقة
عادت كما هي داعي سرها جهرا
حتى تعود إليه وهو يحرقها
وباطل هي وهو الحق قد ظهرا
نحن الفراش جميعا حول شعلته
نطوف لكن درت عشاقنا الخبرا
كما أتى في كتاب الله يوم يكون
الناس هم كالفراش البث منه طرا
وليس يدري الذي لا عشق فيه إلى
وجه المليح ولا كيف الغرام جرى
في الغيب نور حقيقي يجل فلا
يهواه إلا الذي عمن سواه سرى
له ظهور بأشكال قد اختلفت
فيعشقون له الأشكال والصورا
وهو الجميل فلا شيء يشابهه
والقلب يعرف من كل القلوب برى
يا ناظرون قفوا ما عندكم خبر
حتى تذيبوا الحشى والعقل والفكرا
فراشكم لا يرى نور المليح ولا
ذاك الجمال الذي عندكم قد استترا
وإنما جيف الدنيا لكم فتن
وغيركم قلبه غيب الغيوب درى