وَقَفَ الزَّمَانُ فَمَا لِوَعْدِكَمَوْعِدُ
وَعَفَا المَكَانُ فَمَا لِعَهْدِكَ مَعْهَدُ
هِيَ طَلْعَةٌ لَكَ فِي الحَيَاةِ وَغَيْبَةٌ
كَالظِّلِّ إِذْ يَبْدُو وَإِذْ يَتَبَدَّد
بِالأمْسِ كُنْتَ وَأَمْسِ فِي أُفُقِ التُّقَى
شُقَّ الحِجَابُ فَكَانَ مِنْكَ المَوْلِدُ
بِالأمْسِ كُنْتَ وَأَنْتَ طِفْلٌ لاَعِبٌ
طَيْراً يُبَاكِرُ أَيْكَهُ وَيُغَرِّدُ
بالأْمسِ كُنتَ اليَانِعَ الفطِنَ الذِي
يَشْدُو المَعَارِفَ شَدْوَهُنَّ وَيَنْشُدُ
بالأْمسِ طَلاَّباً لِغَايَاتِ العُلَى
يَدْنُو لِهِمَّتِكَ المَرَامُ الأبْعَد
بالأْمسِ مُفْتَتِحَ الصَّحَافَةِ حُرَّةً
طَابَتْ مَرَاشِفُهَا وَرَاقَ المَوْرِد
بالأْمسِ ذَوَّاداً عَنِ الضُّعَفَاءِ لاَ
تَأْلُو جِهَاداً وَالحَفَائِظُ تَجْهَدُ
بالأْمسِ وَحْياً خَاطِباً أَوْ كَاتِباً
فَالسَّمْعُ يَطْرَبُ وَالنُّهَى تَسْتَرْشِد
بالأْمسِ مِقْدَاماً لِقَوْمِكَ حَازِماً
تَبْنِي لَهُمْ مَغْنَى عُلىً وَتُوَطِّدُ
بالأْمسِ بَذَّالَ العَوَارِفِ والنَّدَى
حَتى تَرَى لَكَ عِنْدَ كُلِّ يَدٍ يَد
بالأْمسِ مَوفُورَ الهَنَاءِ مُبارِكاُ
فِي عَيْلَةٍ لِلْمَجْدِ فيها مَقْصِدُ
يرْجُو تَعَدُّدَكَ الوَرَى بِعَدِيدِهَا
وَتَقرُّ عَيْنُ الجُودِ أَنْ يَتَعَدَّدُوا
بالأْمسِ كُنْتَ وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ
وَاليَوْمَلا أَمْسٌ غَدَوْت وَلاَ غَدُ
أَليَوْمَ مَنْ شَاءَ الحَكِيمُ المفْتدَى
فِينَا وَمَنْ شَاءَ الزَّعِيمُ السَّيِّدُ
أَليَوْمَ لاَ تُومَا وَلاَ كُتُبٌ وَلاَ
خُطَبٌ وَلاَ مِدَحٌ إِلَيْهِ تُرَدَّدُ
أَليَوْمَ لاَ جَدْوَى وَلاَ مَجْدٌ وَلاَ
دَارٌ تُؤَمِّمُهَا العُفَاةُ فَتَسْعدُ
أَليَوْمَ لاَ رَجُلٌ يُقَالُ هُوَ الفَتَى
وَحَمِىً يُشَارُ إِليْهِ هَذَا المُرْفَدُ
أَليَوْمَ إِنْ جَارَ الزَّمَانُ فَجَائِرٌ
ذَهَبَ الَّذِي بِجَنَابِهِ يُسْتَنْجَد
أَليَوْمَ إِنْ يَدْعُ الصَّدِيقُ صَدِيقَهِ
صُمَّ النَّدَى وَالبِرُّ أَعْشَى أَرمدُ
قَدْ مَاتَ رَحْبُ الصَّدْرِ رَحْبُ العَقْ
لِ رَحْبُ الرَّاحَةِ الغَوثُ المَلاَذُ الاِّيدُ
مَاتَ النَّقِيُّ خَفَاؤُهُ وَظُهُورُهُ
مَاتَ الوَفِيُّ مَغِيبُهُ وَالمَشْهَدُ
فِي غرْبةٍ كَالقَفْرِ لَمْ يُلمِمْ بِهِ
سَكَنٌ هُنَاكَ وَلَمْ يَعُدْهُ العُوَّدُ
إِفْيَانُ أَنَّى خُنْتِ لاَئِذاً
فَتَرَكْتِهِ تَحْتَ المَبَاضِعِ يُقْصَد
وَافَاكِ يَسْتَشْفِي بِمَاءٍ نَافِعٍ
فَاعَدْتِهِ لِحِمَاهُ مَيْتاً يلْحَدُ
لَكِنَّ جَارَ الغَرْبِ جَارُ غُرُوبِهِ
نَاهِيكَ وَهْوَ مِنَ المَشَارِقِ فَرْقَدْ
فَدَحَ المُصَابُ وَلاَ اعْتِراضَ فَإِنَّهُ
حُكْمُ القَدِيرِ وَهَلْ لَنَا فِيهِ يَدُ
يَا رَب سَلِّمْنَا وَإِنْ فُطِرَتْ أَسىً
مِنَّا حُشَاشَاتٌ وَشُقَّتْ أَكْبُدُ
صَرِّفْ قَضَاءَك فِي العِبَادِ فَإِنَّهُمْ
رَكْبُ الفَنَاءِ وَأَنْتَ أَنْتَ السَّرْمَدَ
أَلشَّمْسُ طَالِعَة بِفضْلِكَ تَنْجَلي
وَالشَّمْسُ غَارِبَةً لِعَدْلِكَ تَسْجُدُ