بيت المقدس كنز الله من أرضه، وفيه كنزه من عباده، والبركة في بيت المقدس
وبلاد الشام ثبتت بآيات من كتاب الله عز وجل، فحين نقول: إقليم الشام، فإنا نعني
به الإقليم الذي كان إقليماً موحداً في ظل دولة الخلافة العثمانية حتى اتفاقية
سايكس بيكو، فجاء الإنجليز والفرنسيون وقسموا ذلك الإقليم إلى أربع دويلات هي:
سورية ولبنان والأردن وفلسطين، فعندما يقال في الشرع: الشام، فإن المقصود بها:
سورية ولبنان والأردن وفلسطين. ولهذه البقاع مكانة في كتاب الله عز وجل وفي حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيها سيكون تمام دولة الإسلام وملكه في آخر
الزمان، وهي حرز المؤمنين عند وقوع الفتن، وإليها يهاجر خيار أولياء الله. تعالوا
معي في رحلة لفضائل الشام وبيت المقدس. قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام:
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ
[الأنبياء:71] قال شيخ الإسلام ابن تيمية : معلوم أن إبراهيم إنما نجاه الله ولوطاً
إلى أرض الشام من أرض الجزيرة والعراق. وقال ابن جرير الطبري : لا خلاف بين أهل
العلم أن هجرة إبراهيم من العراق كانت إلى الشام. فهذه الآية تثبت البركة لبلاد
الشام وفلسطين. وقال الله تبارك وتعالى عن موسى ومن معه بعد أن نجاه من فرعون:
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ
وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا [الأعراف:137]. قال الحسن : هي الشام.
وقال قتادة : هي أرض الشام. وقال ابن تيمية : معلوم أن بني إسرائيل إنما أورثوا
مشارق أرض الشام ومغاربها بعد أن أغرق فرعون في اليم. وقال الله تبارك وتعالى على
لسان موسى لقومه: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ
اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ
[المائدة:21]، والأرض المقدسة أي المطهرة. قال قتادة : هي أرض الشام. وقال شيخ
الإسلام ابن تيمية : هي أرض الشام. ومملكة سليمان بارك الله تبارك وتعالى فيها
وكانت في بيت المقدس، قال الله تبارك وتعالى: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً
تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ
شَيْءٍ عَالِمِينَ [الأنبياء:81]، قال ابن زيد : هي بلاد الشام. وقال شيخ الإسلام
ابن تيمية : إنما كانت تجري إلى أرض الشام التي فيها مملكة سليمان وبالذات في بيت
المقدس. وقال تعالى في قصة سبأ: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي
بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا
لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ [سبأ:18]، قال مجاهد : القرى التي بارك الله فيها
هي الشام. وقال قتادة : هي أرض الشام. وقال ابن عباس : هي الأرض المقدسة. وقال
الله تبارك وتعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ
لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1]، فأيضاً
بارك الله حول بيت المقدس. والمسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى، صلى النبي صلى الله
عليه وسلم نحوها وهو في مكة، ثم صلى نحوها ستة عشر وهو في المدينة، فكانت قبلة
المسلمين الأولى