نسج بردة كعب بن زهير ( رضي الله عنه )
***
أَسَـلْتُ رُوحِـيَ حِـبْـراً فَالـرُؤَى قَـلَـِمي
خُطُوطُ كَفَّيَّ سَطْرِي دَفْتَرِي أَلَمِي
وَصَفْحَتِي وَجَعٌ يَشْقَى بِغُـرْبـَتِهِ
حَرْفِي اليَتِيمُ بِظِلِّ الـــوَجْدِ والُحلُمِ
وَمُقْلَتِي مِنْ خُشُوعِ السَاجِدِينَ لَهَا
حَظٌّ وَمِنْ أنَّةِ الـمُـشْتَاقِ للحَرَمِ
وَدَمْعَتِي وَطَنٌ مَبْتُورَةٌ يَدُهُ
يَفْرِي دُرُوبَ الأَمَانِي حَافِيَ القَدَمِ
وَوِحْدَتِي سُفُنٌ سُكَّانُها افْتَقَدَتْ
دِفْءَ التُرَابِ وسِحْرَ النِيلِ والهَرَمِ
وَضِحْكَتِي كَوُجُوهِ الغَائِبِينَ تَرَى
بَدْرَ الحَنِينِوُجُوهُ الأَهْلِ والحَشَمِ
وَالأَهْلُ أَنْتِ بِسَفْحِ الرُوحِ هَائِمَةً
تَرْنِيمَتَيْنِ وَنَاياً سَاحِرَ النَغَمِ
وحُضْنُكِ الأَخْــضَرُ الغَافِي بِهِ أَمَلِي
طِفْلاً يُقَبِّلُ وَجْهَ الحُبِّ دُونَ فَمِ
وَرِمْشُكِ الأَسْمَرُ السَّاهِي يُسَامِرُنِي
وَقَلْبُكِ الأَبْيَضُ الـمَـفْتُونُ بِالقَلَمِ
فَالقَلْبُ يَلْقِفُ مَا تَرْمِينَ مِنْ أَلَقٍ
وَالعَقْلُ يَحْفَظُ مَا تَنْسِينَ مِنْ كَلمِ
وَأَنْتِ بَيْنَهُمَا رُوحٌ مُحَلِّقَةٌ
بِنَفْحَةٍ مِنْ جَمَالِ البَانِ وَالعَلَمِ
فـتَمْلَئِينَ بِنَارِ الشَّوْقِ أَوْرِدَتِي
لِيَبْلُغَ القَلْبَ مَا أَوْدَعْتِ مِنْ ضُرَمِ
تكَوِّرِينَ حُرُوفَ الحُبِّ لُؤْلُؤَةً
إِذْ تَعْرِفِينَ فُؤَادِي للجَمَالِ ظَمِي
مَا نَكْهَةُ الـحُبِّ لَوْلا أنْ بِهِ أَلَمٌ
مِنْ آخِرِ الجُرْحِ حَتَّى أَوّلِ الحُلُمِ
لَكِنَّ حُبّ رَسَولِ اللهِ مِنْ شَرَفٍ
يَسْمُو بِهِ القَلْبُ عَنْ جُرْحٍ وَعَنْ أَلَمِ
مِنْ فِي هَوَى المُصْطَفَى المخْتَارِ يَعْذِلُنِي
فَالعُذْرُ أَقْبَلُ لَوْلا الجَهْلِ لَمْ يَلُمِ
يَكِيلُ لِي النُصْحَ حَرْفاً نَاصِعاً ألقا
وَرُبَّ حَرْفٍ أَصَابَ الأُذْنَ بالصَمَمِ
سَاءَتْهُ أَنْ تَرْفَعَ الأَعْضَاءُ سُنَّتَهُ
مَنَابِراً للهُدَى وَالفَضْلِ والِحكَمِ
وَإنَّ حُبّ َرَسُولِ اللهِ أَرَّقَنِي
فَبَحَّ صَوْتِي وَذَابَتْ نَشْوَتِي بِفَمِي
إذْ لَيْسَ أَجْمَلُ مِنْ وَجْهِ الحَبِيبِ تَرَى
عَيْنُ المَشُوقِ رَبيبِ الوَجْدِ وَالأَلَمِ
فَالمُعْجِزَاتُ لِرُسْلِ اللهِ قَدْ فَنِيَتْ
لِكِنَّ مُعْجِزَةَ المخْتَارِ لَمْ تَنَمِ
فَكُلُّ مُعْجِزَةٍ جَاءَ الرَسُولُ بِها
لِسَانُهَا اللهُ رَبُّ النَّاسِ كُلِّهمِ
مُفَصَّلٌ مُعْجِزٌ لا رَيْبَ فِيهِ أَسَا
جُرْحِي طَمَأْنِينَةً بِاللهِ ذِي العِظَمِ
لِسَانُهُ عَرَبيٌّ لا تُنَاوِشُهُ
فَصَاحَةً بُلَغَاءُ العُرْبِ والعَجَمِ
مُنَزَّلٌ آيَةً تَسْمُوسُمُوَّ نَبِي
للهِ بَعْدَ السُـرَى فَضْلاً إِلى الحَرَمِ
مَا نَالَهَا بَـــشَــرٌ فِي الأَرْضِ أَوْ خَطَرَتْ
عَفْواً بِبَالِ امْرِئٍ مِنْ سَالِفِ القِدَمِ
تَقَّدَمَ الأَنْبِيَا خَيْرُ الإِمَامِ وَقَدْ
تَقَدَّمُوهُ رِسَالاتٍ إِلى الأُمَمِ
فَمَنْ تَبَنَّاهُ رَبُّ الكَوْنِ فِي صِغَرٍ
وَاللهُ رَبَّاهُ دُون َالنَّاسِ لَمْ يُضَمِ
وَظَلَّلَتْهُ مِنَ الإِحْسَانِ سَارِيَةٌ
وَأَرْضَعَتْهُ عُيُونُ البَأْسِ والحُلُمِ
تَرَى الجِبَالَ نَمَتْ أَحْضَانُهَا شَغَفاً
فَضَمَّ حُضْنَ حِرَاءَ الصَبِّ وَهْوَ ظَمِي
وَللنَبَاتِ انْحِنَاءُ الأُمِّ سَاهِرَةً
وَللجَمَادِ تَسَابِيحٌ بِهنَّ نُمِي
وَللرِمَالِ خُيُولُ الشَوْقِ رَاكِضَةٌ
وَللسَمَاءِ بُكَاءُ العَاشِقِ النَهِمِ
أَخْلاقُهُ حَسَنَاتُ الدَهْرِ بَاقِيَةٌ
وَإنْ فَنَتْ حَسَنَاتُ الخَلْقِ كُلِّهِمِ
فَمَنْ بِهَا عَمِلَتْ يَوْماً جَوَارِحُهُ
أقامَ مَيِّتَهَا يُحْي هَوَى الهِمَمِ
هُوَ الأَمِينُ خُيُوطُ الصِّدْقِ بُرْدَتُهُ
حَوَافُهَا الحَقُّ حَاكَتْهَا يَدُ الكَرَمِ
أَرْدَانُهَا العَفْوُ فَالأَرْدَانِ مِنْ شَرَفٍ
وَذَيْلُهَا النُورُ مِنْ فَضْلٍ وَمِنْ حُلُمِ
فَأَهْلُ مَكَّةَ لَمَّا قَدْ أَحَطْتَ بِهِمْ
كالحَوْضِ بالماءِ خَوْفَ الهَدْرِ وَانْتَ ظَمِي
أَطْلَقْتَهُمْ كَعَصَافِيرِ الصَّبَاحِ عَلَى
غُصْنِ السَمَاحِ تُغَنِّي عَبْرَةَ النَدَمِ
وَصَدْرُهَا الصَّبْرُ مِنْ تَقْوَى وَمِنْ أَمَلٍ
عَلَى الأَذَى والهَوَى والظُلْمِ والسَأَمِ
وَلَوْنُهَا مِنْ صَفَاءِ البَدْرِ حِينَ بَدَا
يُـهْدِي المسَاءَ رِقَابَ الخَوْفِ والظُلَمِ
أَكْتَافُهَا قِمَمٌ مِنْ رَحْمَةٍ وَهُدىً
والبِرُّ يَاقَتُهَا مَا للرَسُولِ سَمِي
فَهِذِهِ بُرْدَةُ المـخْتَارِ حِينَ كَسَا
كَعْباً بِهَا مَا مَسَّهَا قَلَمِي
مُحَمَّدٌ جَنَّةُ الدُنْيَا وَزِينَتُهَا
وَحِفْنَةٌ مِنْ جَلالِ العَرْشِ ذِي العِظَمِ
لَهُ سَيَسْجُدُ يَوْمَ البَعْثِ سَيِّدُنَا
شَفَاعَةً وَشَهِيداً صَادِقَ الكَلَمِ
يَا خَاتِمَ الأَنْبِيَا عَدَّا وَأَوَّلَهُمْ
قَدْراً وأَوْسَطَهُمْ دِيناً فِدَاكَ دَمِي
فَكُلُّ قِصَّةِ حُبٍّ باسْمِهِ ابْتَدَأَتْ
بِهَا الصَّلاةُ عَلَيهِ خَيْرُ مُخْتَتَمِ
سُبْحَانَ مَنْ خَصَّنَا دُونَ العِبَادِ بِهَا
هُمَا صَلاتَانِ مِنْ نُورٍ وَمِنْ قِيَمِ
إنِّي بِحُبِّ رَسُولِ اللهِ مُؤْتَنِسٌ
اسْتَرْسَلَتْ بِحَوَاسِي نَشْوَةُ القَلَمِ
****