ذُو يَراعٍ يَرُوعُ كالسَّيْفِ إمَّا
بصَليلٍ عِداهُ أوْ بِصَريرِ
ما رَأَى الناسُ قَبْلَهُ مِنْ يَراعٍ
لوزيرٍ صريرهُ كالزئيرِ
فإذا سَطَّرَ الكتابَ أرانا
بَحْرَ فضلٍ أمواجُهُ مِنْ سُطورِ
وإذا استخرجوهُ يسْتَخْرجُ الدُّر
رَ نَفِيساً مِنْ بَحْرِهِ المَسْجُورِ
نظرتْ مُقلتي إليه كأني
ناظِرٌ في بَدِيعِ زَهْرٍ نَضِيرِ
ثم شَرَّفْتُ مِسْمَعِي بِتُؤَامٍ
وَفُرادَى مِنْ دُرِّهِ المَنْثُورِ
لا تُطاوِلْهُ في الفخارِ فما غا
درَ في الفخرِ مُرتقى ً لفخورِ
ذِكرهُ لَذَّة ُ المسامعِ فاسْتمـ
ـتعْ به من لسانِ كلِّ ذكورِ
ثمَّ معنى ً وصورة ً فهوَ في الحا
لَيْنِ مِلءُ العيُونِ مِلءُ الصُّدورِ
زُرْتُ أبوابهُ التي أسعدَ اللـ
بها كلَّ زائرٍ ومَزُورِ
كلُّ من زارها يعودُ كما عُدْ
تُ بِفَضْلٍ مِنها وأجرٍ كثيرِ
وَكفانيَ سَعْيِي إليها لأُهْدَى
منه بالرشدِ في جميعِ الأمورِ
إنَّ مَنْ دَبَّرَ المَمالِكَ لا يَعْـ
ـزُبُ عنْ حُسنِ رأيهِ تدبيري
كان رزقي من جدهِ وأبيهِ
أيَّ رزقٍ ميَسّرٍ موفورِ
وإذا كان مثلُ ذاكَ على الو
ا رِث إني عَبْدٌ لِعَبْدِ الشَّكُورِ
فارِسِ الخَيْلِ العالِمِ العامِلِ الـ
ـحَبرِ الهُمَام الحُلاحِلِ النَّحْرِيرِ
لم يزلْ من علومهِ وتقاهُ
بين تاجٍ من سؤددٍ وسريرِ
أبداً بالصوابِ ينظرُ في الملـ
ـك وفي بيت ماله المعمورِ
فغدا الجندُ والرَّعية ُ والما
لُ بخيرٍ من سعيهِ المشكورِ
فأَقَلُّ الأجْنادِ في مصرَ يُزْرِي
مِنْ بلادِ العِدا بأوْفَى أمِيرِ
قُلْ لِمَنْ خابَ قَصْدُهُ في جميع النَّـ
ـاسِ مِنْ آمرٍ وَمِنْ مَأْمُورِ
يَمِّمِ الصاحِبَ الذي يُتَرَجَّى
فتحُ ثغرٍ به وسدُّ ثغورِ
وبعيدُ الأمورِ مثلُ قريبٍ
عندهُ والعسيرُ مثلُ يسيرِ
آهِ مِمَّا لَقِيتُ مِنْ غَيْبَتي عنـ
ـه ومِنْ نِسْبَتِي إلى التَّقْصِيرِ
كَثُرَ الشَّاهِدُونَ لي أنَّني مُـ
ـتُّ وفي البعدِ عنه قلَّ عذيري
مَنْ لِشَيْخٍ ذي عِلَّة ٍ وعِيالٍ
ثَقَّلَتْ ظَهْرَهُ بِغَير ظَهيرِ
أثْقَلُوهُ وكَلَّفُوه مَسيراً
ومن المستحيلِ سيرُ ثبيرِ
فَهْوَ في قيْدِهِمْ يُذَادُ مِنَ السَّـ
ـعِي لتحصيلِ قُوتِهِمْ كالأسيرِ
وعَتَتْ أمهم عليَّّ ولَّجتْ
في عُتُوٍّ منْ كَبْرَتي ونُفورِ
وَدَعَتْ دونَهُم هُنالِكَ بالوَيْـ
ـلِ لأمرٍ في نَفْسِها والثُبورِ
حَسِبَتْ عِلَّتِي تَزُولُ فقالتْ
ياكثيرَالنهوينِ والتهويرِ
كلُّ داءٍ لهُ دواءٌ فعجِّلْ
بمُداواة ِ داءِ عُضْوٍ خَطِيرِ
قُلتُ مَهْلاً فما بِمِلحِ السَّقَنْقُو
رِ أُداوي وَلا بِلَحْمِ الذُّرورِ
سَقَطَتْ قُوَّة ُ المَرِيضِ التي كا
نَتْ قديماً تُزادُ بالكافُورِ
وعصاني نظمُ القريضِ الذي جـ
ـرَّ ذُيُولاً عَلَى قَرِيضِ جَرِيرِ
وَازْدَرَتْنِي بعضُ الوُلاة ِ وقدْ أصْـ
ـبحَ شعري فيهم كخبز الشعيرِ
وغسلتُ الذي جمعتُ من الشعـ
ـرِ بفيضٍ عليه غسلَ صخورِ
وَنَهَتْني عَن المَسيرِ إليهم
شدة ُ البأسِ من سخاً في مسيرِ
وهَجَرْتُ الكِرامَ حتى شَكاني
منهمُ كلَّ عاشِقٍ مَهْجُورِ
وَكَزُغْبِ القطا وَرائي فِراخٌ
من إناثٍ أعولهم وذكورِ
يتعاوونَ كالذئابِ وينقضـ
ـونَ من فرطِ جوعهم كالنسورِ
وفتاة ٍ ما جُهِّزَتْ بجهازٍ
خُطِبَتْ لِلدُّخولِ بعدَ شُهورِ
وَاقْتَضَتْني الشِّوارَ بَغياً عَلَى مَنْ
عنك آياتُها قَعُودَ حَسِيرِ
أقعدتني بقرية ٍ أسلمتني
لِضَياعٍ مِنْ فاقَتِي وكُفُورِ
كلُّ يَومٍ مُنَغَّصٌ بِطَعامٍ
أوْ رَفِيقٍ مُنَغِّصٍ بِشُرُورِ
ورِفاقي في خِدْمَة ٍ طُولَ عُمْرِي
رفقتي في الحرانِ مثل الحميرِ
كلَّما رُمْتُ أُنْسَهُمْ ضَرَبُوا
من وحشة ٍ بينهم وبيني بسورِ
وأَبَوْا أنْ يُساعِدُوني عَلَى قُو
تِ عِيالي بُخْلاً بِكَيلِ بَعِيرِ
فَسَيُغْنِيني الإلهُ عنهمْ بِجَدْوى
خير مولى ً لنا وخير نصيرِ
صاحبٌ يبلغُ المؤملُ منه
كلَّ ما رامَهُ بِغَيرِ سَفِيرِ
من أناسٍ سادوا بني الدين والدنـ
ـيا فما في الورى لهم من نظيرِ
سَرَّتِ الناظِرِينَ منهم وجوهٌ
وُصِفَتْ بالجَمالِ وَصْفَ البُدُورِ
ورثوا الأرضَ مثل ما كتبَ اللـ
ـهُ تعالى في الذكرِ بعد الزبورِ
فهم القائمونَ في الزَّمنِ الأوَّ
لِ بالقسطِ والزَّمانِ الأخيرِ
وَهُمُ المُؤْمِنُونَ الوارِثُو الفِرْدَوْ
سِ والمفلحون في التفسيرِ
عَبَدُوا الله مُخْلصينَ لهُ الدِّيـ
ـنَ لِما في قلوبِهِمْ مِنْ نُورِ
وأحبوا آل النبيِّ فكانوا
معهم في مغيبهم والحضورِ
في مَقامٍ مِنَ الصَّلاحِ وَأمْنٍ
وَمُقامٍ مِنَ النَّعِيمِ وَثِيرِ
أهلُ بيتٍ مطهرينَ من الرِّجـ
ـسِ وهم أغنيا عن التطهيرِ
حُجِبُوا بالأثاثِ عَنَّا وبالزَّيِّ
ـزيَّ وأخفوا جمالهم بالخدورِ
لبسوا الزيَّ بالقوبِ وأغنوا
صِدْقُهُمْ عَنْ لِباسِ ثَوْبَيْ زُورِ
وَأرَوْنا أهلَ التقَى في الزَّوايا
سَلَّمُوا في البَقا لأِهْلِ القُصُورِ
وأتَوْا كلُّهُمْ بِقَلْبٍ سَليمٍ
وأتى غيرهم بثوبٍ نقيرِ
وحَكَتْهُمْ ذُرِّيَّة ٌ كالذَّرارِي
من بطونٍ زكية ٍ وظهورِ
يُطْعِمُونَ الطَّعامَ لا لجَزَاءٍ
يَتَرَجَّوْنَهُ وَلا لِشُكُورِ
علمَ الله منهم ما جهلنا
وكَفَاهُمْ شُكْرُ العليم الخَبِيرِ
May 14, 2010, 03:05 AM
رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
^كــاتم أســرار^
جِوَارُكَ منْ جَوْرِ الزَّمانِ يُجِيرُ
البوصيري
جِوَارُكَ منْ جَوْرِ الزَّمانِ يُجِيرُ
وَبِشْرُكَ لِلرَّاجي نَدَاكَ بَشِيرُ
فضلتَ بني الدنيا ففضلك أوَّلُ
وَأوّلُ فضلِ الأوَّلِينَ أخِيرُ
وأنتَ هُمامٌ دبَّرَ الملك رأيهُ
خَبِيرٌ بأحْوالِ الزَّمانِ بَصِيرُ
إذَا المَلِكُ المَنْصُورُ حَاوَلَ نَصْرَهُ
كَفَى المَلِكَ المَنْصُورَ منك نَصِيرُ
فلا تنسهِ الأيامُ ذكركَ إنهُ
به فَرِحٌ بينَ الملوكِ فخُورُ
إذا مرَّ في أرضٍ بجيشٍ عرمرم
تكادُ لهُ أمُّ النجومِ تمورُ
وَتَحْسِبُهُ قد سارَ يَرْمِي بُرُوجَهَا
بخيلٍ عليها كالبروجِ يُغيرُ
وَمَا قلْبُها مِمَّا يَقَرُّ خُفُوقُهُ
ولا طرفها حتى يعودَ قريرُ
سواءٌ عليه خَيْلُه وَرِكابُهُ
وَسَرْجٌ إذا جابَ الفَلاة َ وَكُورُ
لقد جَهِلَتْ دَاوِيَّة ُ الكُفْرِ بَأْسَهُ
وَغَرّهمْ بالمسلمينَ غَرُورُ
فلا بُورِكُوا مِنْ إخْوَة ٍ إنَّ أُمَّهُمْ
وإن كُثرتْ منها البنونَ تزورُ
فَإنْ غَلُظَتْ مِنْهُمْ رِقَابٌ لِبُعْدِهِ
فما انحطَّ عنها للمذلة ِ نيرُ
ألم تعلموا أنَّا نواصلُ إن جفوا
وَأنَّا على بعد المزار نَزُورُ
يَظمُونَ خَيْلَ المُسلمينَ يَصُدُّها
عن العدوِ في أرض العدوِّ دُحورُ
أما زُلْزِلَتْ بالعادِياتِ وجاءها
من التُّركِ جمٌّ لا يُعَدُّ غفيرُ
أتوا بطمراتٍ من الجُرْدِ سُيِّرتْ
وَرَجْلٍ لهُمْ مِثْلُ الجَرادِ طُمُورُ
فلم يرقبوا من صرحِ هامانَ مرقب
اً بهامَتِهِ بَرْدُ السَّحابِ بَكُورُ
وصبَّ عليهم عارضٌ من حجارة
ٍ ونبلٍ وكلٌّ بالعذابِ مطيرُ
وساكموهُ خسفاً من نقوبٍ كأنها
أثافٍ لها تلكَ البُرُوجُ قُدُورُ
فَذَاقُوا به مُرَّ الحِصارِ فأصْبَحُوا
لهم ذلك الحصنُ الحصينُ حصيرُ
من الخيلِ سورٌ والصوارمِ سورُ
وليس لهم إلاَّ إلى الأسرِ ملجاٌُ
وَإلاَّ إلى ضَرْبِ الرِّقابِ مَصيرُ
فلما أحسُّوا بأسَ أغلبَ همَّة ً
غَدُوٌّ إليهم بالردى وبكورُ
دعوهُ وشملُ النصرِ منهم ممزقٌ
أماناً وجِلْبابُ الحياة ِ بَقِيرُ
أعارَهُمُ کفْرَنْسِيسُ تلكَ وَسِيلَة
ٌ رأى مُسْتَعيراً غِبَّها وسَعِيرُ
فَدَى نفسَهُ بالمالِ والآلِ وانْثَنَى
تَطيرُ به مِن حيثُ جاءَ طُيُورُ
فلا تذكروا ما كان بالأمسِ منهمُ
فذاكَ لأحقادِ السيوفِ مثيرُ
فلو شاءَ سُلْطانُ البَسِيطَة ِ ساقَهُمْ
لمِصْرٍ وتَحْتَ الفارِسَيْنِ بَعِيرُ
تُبَشَّرُ مِصر دائماً بِقُدُومِهِمْ
إذا فصلتْ منهم لغزَّة عيرُ
تسُرُّهمْ عند القفول بضاعة
وَتَحْفَظُ منهمْ إخْوة ً وَتَمِيرُ
ولو شاء مَدَّ النِّيلَ سَيْلُ دمائِهِمْ
وَرَقَّتْ نُحُورٌ ماءَهُ وسُحُورُ
بعيدٍ كعيدِ النحرِ ياحُسنَ ما يُرى
به مِنْ عُلوجٍ كالعُجُولِ جَزُورُ
وَلكنه مِنْ حِلْمِهِ وَاقْتِدارهِ
عَفُوٌّ عَنِ الذَّنْبِ العظيم غفورُ
ولم يبقهمْ إلا خميراً لمثلها
مَلِيكٌ يَجُبُّ الرَّأْيَ وَهْوَ خَبيرُ
يرى الرأيَ مُزَّ الرَّاحِ يُهوي عتيقهُ
ويكرهُ منه الحلوُ وهو عصيرُ
فَوَلَّوْا وَسوءُ الظَّنِّ يَلوِي وُجُوُهَهمْ
فتحسبُها صُوراً وماهيَ صورُ
وقد شغرتْ منهم حصونٌ أواهلٌ
وما راعها من قبلِ ذاك شغورُ
فللهِ سلطانُ البسيطة ِ إنهُ
مَليكٌ يَسيرُ النَّصْرُ حيثُ يسيرُ
ويغمدُ في هامِ الملوكِ حُسامَهُ
ويَرْهَبُ منْ هامِ الملُوك غَفيرُ
وَيَجْمعُ مِنْ أشْلاَئهِمْ مُتَفَرِّقاً
بِصارِمِهِ جَمْعَ الهَشِيمَ حَظِيرُ
فأخلقْ بأن يبقى ويبقى لمُلكهِ
ثَناءٌ حَكاهُ عَنْبَرٌ وعَبيرُ
يؤَيَّدُ منها بالنفيرِ نفيرُ
وَيَحْمِلَ كلَّ المُلْكِ عنه وَإصْرَهُ
حَرِيٌّ بِتَدْبيرِ الأُمورِ جَدِيرُ
أخُو عَزَماتٍ فالبَعِيدُ منَ العُلا
لديهِ قريبٌ والعسيرُ يسيرُ
تَكادُ إذا ما أُبْرِمَتْ عَزَماتُهُ
لها الأرضُ تطوى والجبالُ تسيرُ
دعاني إلى مغناهُ داعٍ وليس لي
جنانٌ عليَّ ذاكَ الجنابِ جسورُ
فقلت له دَعْنِي وَسَيْرِي لِماجِدٍ
له الله في كلِّ الأمورِ يجيرُ
إذا جِئْتُهُ وَحْدي يقُومُ بِنُصْرَتي
قبائلُ من إقبالهِ وعشيرُ
فَتًى أبْدَتِ الدُّنيا عواقِبَها لَهُ
وأفضتْ بما فيها لديهِ صدورُ
فغفلتهُ من شدة ِ الحزمِ يقظة
ٌ وَغَيْبَتُه عَمَّا يُرِيدُ حُضورُ
وما كلُّ فضلٍ فيه إلاَّ سَجِيَّة
ٌ يُشاركُ فيها ظاهرٌ وضميرُ
فليس له عندَ النِّزالِ مُحَرِّضٌ
وليس له عند النوال سفيرُ
هو السيفُ فاحذرْ صفحة ً لغرارهِ
فَبَيْنَهُما لِلاَّمِسِينَ غُرورُ
مهيبٌ وهوبٌ للمحاولِ جودهُ
جوادٌ ولليثِ الهصورِ هصورُ
إشاراتهُ فيما يرومُ صوارمٌ
وساعاتُهُ عما يَسَعْنَ دُهُورُ
إذا هَجرَ الناسُ الهجيرَ لكَرْبِهِمْ
يلُّ له أنَّ الزمانَ هجيرُ
وهل يتَّقى حرَّ الزمانِ ابنُ غادة
ٍ جليلٌ على حرِّ الزمانِ صبورُ
يُحاذِرُهُ الموْتُ الزُّؤَامُ إذا سطا
ولكنه مِنْ أنْ يُلامَ حَذُورُ
وتستهونِ الأهوالَ في المجدِ نفسهُ
وتَسْتَحْقرُ المَوهُوبَ وهُوَ خَطيرُ
مَكارِمُهُ لَمْ تُبْقِ فَقراً ورَأْيُهُ
إلى بعضهِ أغنى الملوكِ فقيرُ
كَفَتْهُ سُطاهُ أنْ يُجَهِّزَ عَسْكراً
وآراؤُه أنْ يُسْتَشارَ وَزِيرُ
فواطَنَ أطْرافَ البَسِيطَة ِ ذِكْرُهُ
وصينتْ حصونٌ باسمهِ وثغورُ
مُحَيَّاهُ طَلْقٌ باسِمٌ رَوضُ كَفِّهِ
أرِيضٌ وَماءُ البشْرِ منه نميرُ
حَكَى البحرَ وصفْاً مِنْ طهارَة ِ كَفِّه
فقيل له من أجلِ ذاك طهورُ
وما هو إلاَّ كيمياءُ سعادة
ٍ ووصفى لتلك الكيمياءِ شذورُ
بها قامَ شعري للخلاصِ فما أرى
لشعري امتحانَ الناقدين نصيرُ
وربَّ أديبٍ ذي لسان كمبردٍ
بَدَا مِنْ فَمٍ كالكِيرِ أوْ هوَ كِيرُ
أَرادَ امْتحاناً لي فَزَيَّفَ لَفْظَهُ
نتانٌ بدا من نظمهِ وخريرُ
إذا مارآني عافني واستقلني
كأَنِّي في قَعْرِ الزُّجَاجَة ِ سُورُ
ويعجبهُ أني نحيفٌ وأنهُ
سَمِينٌ يَسُرُّ الناظرِينَ طَرِيرُ
ولم يدرِ أن الدُّرَّ يصغرُ جرمهُ
وَمقدارُهُ عند الملوكِ خطيرُ
فقامَ بنصري دونهُ ذو نباهة
ٍ حليمٌ إذا خفَّ الحليمُ وقورُ
ولا جورَ في أحكامهِ غير أنه
على الخائنينَ الجائرينَ يجورُ
فلا تنظرالعُمَّالُ للمالِ إنَّهُ
عَلَى بَيْتِ مالِ المسلمينَ غَيُورُ
وأنَّ عذابَ المجرمينَ بعدلهِ
طويلٌ وعُمْرَ الخائنينَ قَصِيرُ
له فلمٌ بالبأسِ يجري وبالندى
ففِي جانِبَيْهِ جَنّة ٌ وَسَعِيرُ
تُحَلِّي الطَّرُوسَ العاطِلاتِ سطورُها
كما تتحلى بالعقودِ نُحور
أُجَلِّي لحَاظِي في خمائِلِ حُسْنِهِ
فَمِنْ حَيْرَة ٍ لَمْ تَدْرِ كيفَ تَحُورُ
حَكَى حَسناتٍ في صحائِفِ مُؤْمِنٍ
يُسَرُّ كبيريٌّ بها وصغيرُ
فكانت شكولاً منه زانتْ حروفهُ
حِساباً قَلَتْ منه الصِّحاحَ كُسورُ
فقلتُ وَقد راعَتْ بِفَضْلِ خِطابِهِ
وراقتْ عيونَ الناظرينَ سطورُ
لئنْ جاءهم كالغيثِ منهُ مبشراً
لقد جاءهم كالموتِ منه نَذِيرُ
فويلٌ لقومٍ منْ يراعٍ كأنهُ
خلالٌ يَرُوعُ الأُسْدَ منه صَريرُ
وَلِمَ لا وَآسادُ العرينِ لِداتُهُ
يَكُونُ له مثلُ الأُسودِ زَئيرُ
يَغُضُّ لديهِ مقلتيهِ ابنُ مقلة
ٍ كما غضَّ منْ في مقلتيهِ بثورُ
وأنَّى له لو نالهُ مِنْ تُرابِهِ
لِيكْحَلَ منه مُقْلَتَيْه ذَرُورُ
وَقد كَفَّ عنْ كوفيَّة ٍ كَفَّ عاجِزٍ
وفيه نظيمٌ دُرُّهُ ونثيرُ
وَوَدَّ العذارَى لوْ يُعَجِّلُ نِحْلَة
ً إليهنَّ مِنْ تلكَ الحُروفِ مُهُورُ
رَأَى ما يَرُوقُ الطّرْفَ بلْ ما يَرُوعُهُ
فخارَ وذو القلبِ الضعيفِ يخورُ
بَني ما بَنَى كِسْرَى وعادٌ وَمُتَّبَعٌ
وليسَ سواء مُؤْمِنٌ وَكَفُورُ
ودلَّ على تقوى الإلهِ أساسهُ
كما دلَّ بالوادي المُقّدَّسِ طورُ
حجازيَّة ُ السُّحْبِ الثقالِ يسوقها
على عجلٍ سوقاً صباً ودبورُ
ومنها نجومٌ في بروجٍ مَجَرَّة
ٍ عَلَى الأرضِ تَبْدُو تارَة ً وتَغُورُ
تضيقُ بها السُّبْلُ الفجاجُ فلا يرى
بها للرياحِ العاصفاتِ مسيرُ
فكم صخرة ٍ عادية ٍ قذفتْ بها
إليهِ سهولٌ جمَّة ٌ ووعورُ
ومنْ عُمُدٍ في همَّة ِ الدَّهرِ قوَّة
ٌ وفي باعهِ من طولهنَّ قصورُ
أشارَ لها فانقادَ سهلاً عسيرها
إلأيهِ وما أمرٌ عليه عسيرُ
أَتَتْه بها أنْدَى الرِّياحِ ودونَ مَا
أَتَتْه بها أنْدَى الرِّياحِ ثَبِيرُ
وما كانَ لَولا مالَهُ مِنْ كَرَامة
ٍ لِيَأْتِيَنا بالمُعْجِزاتِ أميرُ
لمافيه من تقوى وعلمٍ وحكمة
ٍ بِحُرِّ مَبَانِيهِ الثَّلاَثُ تُشِيرُ
فَمِئْذَنَة ٌ في الجوِّ تُشْرِقُ في الدُّجَى
عليها هُدًى لِلْعَالمِينَ وَنُورُ
ومن حيثما وجَّهْتَ وجهكَ نحوها
تلقتكَ منها نضرة ٌ وسرورُ
يَمُدُّ إليها الحاسدُ الطرفَ حسرة
ً فَيَرْجِع عنها الطَّرْفُ وهْوَ حَسير
فكم حَسَدتها في العُلوِّ كواكبٌ
وغارَتْ عليها في الكمالِ بُدُورُ
إذا قامَ يَدْعُو الله فيها مُؤَذِّنٌ
فما هو إلا للنجومِ سميرُ
فللناسِ مِنْ تَذْكارِهِ وأذانه
فَطُورٌ عَلَى رَجْعِ الصَّدَى وَسَحُورُ
وقُبَّة ُ مارستانَ ليسَ لِعِلَّة
ٍ عليه وإن طالَ الزمانُ مرورُ
صحِيحُ هَواءٍ للنُّفوسِ بِنَشْرهِ
معادٌ وللعظمِ الرميمِ نشورُ
يَهُبُّ فيهدي كلَّ روحٍ بجسمهِ
كأن صباهُ حين ينفخُ صورُ
فلَوْ تَعْلمُ الأجسامُ أنَّ تُرابَهُ
مهادُ حياة ٍ للجسومِ وثيرُ
لَسارَتْ بِمَرْضاها إليه أسِرَّة
ٌ وصارتْ بموتاها إليه قُبُورُ
وما عادَ يُبْلِي بعدَ ذلك مَيِّتاً
ضريحٌ ولا يشكوُ المريضَ سريرُ
بجنتهِ ورقٌ تُراسلُ ماءَهُ
يَشوقُ هديلٌ منهما وهديرُ
وَقد وَصَفَتْ لي الناس منها عَجائِباً
كأَوْجُهِ غِيدٍ ما لَهُنَّ سُفورُ
محاسنها استدعتْ نسيبي وما دعا
نسيبي غزالٌ قبلَ ذاكَ غريرُ
وباتَ بها قلبي يُمثِّلُ حسنها
لعيني ونومي بالسُّهادِ غزيرُ
وَلا وَصْفَ إلاّ أنْ يَكُونَ لِواصفٍ
ورودٌ على موصوفهِ وصدورُ
بَدَتْ فهْيَ عندَ الصَّالحِيَّة ِ جِلَّقٌ
وفي تلك جنَّاتٌ وتلك قبورُ
ولو فتحتْ أبوابها لتبادرتْ
منَ الدُّرِّ ولدانٌ إليهِ وحُورُ
ومدرسة ٌ ودَّ الخورنقُ أنه
لديها حظيرٌ والسديرُ غديرُ
مدينة ٌ علمٍ والمدارسُ حولها
قُرى ً أو نجومٌ بدرهنَّ منيرُ
تبدَّتْ فأخفى الظَّاهرية َ نورها
وليسَ بِظُهْرِ للنُّجُومِ ظُهُورُ
بِناءٌ كَأَنَّ النَّحْلَ هَنْدَسَ شَكْلهُ
وَلانَتْ لهُ كالشَّمْعِ منه صُخُورُ
بناها حكيمٌ ليس في عزماتهِ
فتورٌ ولا فيما بناهُ فتورُ
بناها شديد البأسِ أوحدُ عصرهِ
خلتْ حِقَبٌ من مثله وعصورُ
فما صنعتْ عادٌ مصانعَ مثلهُ
وَلا طاولَتهُ في البِناءِ قُصُورُ
ثَمانِيَة ٌ في الجوِّ يَحْمِلُ عَرْشَها
وبعضٌ لبعضٍ في البناء ظَهيرُ
يرى من يراها أ، رافعَ سَمكها
عَلَى فِعْلَ ما أعْيا المُلوكَ قَدِيرُ
وَأنَّ مَناراً قائماً بإزائها
بَنانٌ إلى فضلِ الأميرِ تُشِيرُ
كأَنَّ مَنارَ اسْكَنْدَرِيَّة َ عنده
نواة ٌ بدتْ والبابُ فيه نقيرُ
بناها سعيدٌ في بقاعٍ سعيدة
ٍ بها سَعِدَتْ قَبْلَ المَدارِسِ دُورُ
إذا قامَ يَدْعُو الله فيها مؤَذِّنٌ
فما هو إلا للنجومِ سميرُ
فصارت بيوتُ الله آخرَ عمرها
قصورٌ خلتْ من سادة ٍ وخدورُ
ذَكَرْنا لَدَيْها قُبَّة َ النَّسْرِ مَرَّة ً
فما كادَ نسرٌ للحياءِ يطيرُ
فإنْ نسبتْ للنسرِفالطائرالذي
له في البروجِ الثابتات وكورُ
وإلاّ فكَمْ في الأرضِ قد مَال دونَها
إلى الأرضِ عِقْبانٌ هَوَتْ وَنُسُورُ
تبينتُ في محرابها وهي كالدُّمى
قدُودَ غَوانٍ كُلُّهُنَّ خُصُورُ
وقد حُلِّيتْ منها صدورٌ بعسجدٍ
وَلُفَّتْ لَها تَحْتَ الحُلِيِّ شُعُورُ
بها عُمُدٌ كاثَرْنَ أيَّامَ عامِها
ومن عامها لم يمضِ بعدُ شهورُ
مَبانٍ أبانَتْ عَنْ كمالِ بِنائِها
وأعربَ عن وضعِ الأساسِ هتورُ
سماوية ٌ أرجاؤها فكأنها
عليها من الوَشْي البَديعِ سُتُورُ
تَوَهَّمَ طرْفِي أنَّ تَجْزِيعَ بُسْطِها
رُقومٌ وتلوينَ الرُّخامِ حريرُ
وكم جَاوَزَ الإبْدَاعُ في الحُسْنِ حَدَّهُ
فأَوْهَمَنا أنَّ الحقيقة َ زُورُ
فللَّه يَومٌ ضَمّ فيه أئمة
ً تَدَفَّقَ منهم لِلعلومِ بُحورُ
وشمسُ المَعالي مِنْ كِتابٍ وسُنَّة
ٍ على الناسِ من لفظِ الكلامِ تُديرُ
وقد أعْرَبَتْ للناسِ عَنْ خَيْرِ مَوْلِدِ
عَرُبٌ به والفضبُ فيه كثيرُ
فأكرمْ بيومٍ فيهِ أكرمُ مولد
ٍ لأكْرَمِ مَوْلُودٍ نَمَتْهُ حُجورُ
يطالعهُ للمسلمينَ مسرة
ٌ ولكِنْ به للكافرِينَ ثبورُ
قَرَأْنا بها القرآنَ غيرَ مُبَدَّلٍ
فغارتْ أناجيلٌ وغارَ زبورُ
وَثَنَّتْ بأخْبارِ النبيِّ رُواتُها
وكلٌّ بأَخْبارِ النبيِّ خَبِيرُ
وثَلَّثَ يدعو الله فيها موَحِّـ
ـدٌ ذكورٌ لنعماءِ الإلهِ شكورُ
وما تلكَ للسلطانِ إلاَّ سعادة
ٌ يَدُومُ لهُ ذِكْرٌ بها وأُجُورُ
دَعاها إليه وافرُ الرَّأْي والحجَا
يزينُ الحجى والرَّأيُ منه وقورُ
فهل في ملوكِ الأرضِ أو خلفائها
له في الذي شادتْ يداه نظيرُ
على أنهم في جنبِ ما شاد من عُلاً
ولو كان كالسبعِ الطباقِ حصيرُ
May 14, 2010, 03:06 AM
رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
^كــاتم أســرار^
قد خُصَّ بالفضلِ قطليجا وأيدمرُ
البوصيري
قد خُصَّ بالفضلِ قطليجا وأيدمرُ
وطابَ منه ومنكَ الأصْلُ والثَّمَرُ
بحرانِ لو جادَبحرٌ مثل جودهما
بيعتْ بأرخصَ من أصدافها الدررُ
لله دَرُّكَ عِزَّ الدِّين لَيْثَ وَغًى
لهُ من البيضِ نابٌ والقنا ظفرُ
ألقى الإلهُ على الدنيا مهابتهُ
فالبِيضُ تَرْعُدُ خوفاً منه والسُّمُرُ
أريتنا فضل شمس الدين منتقلاً
إليكَ منه وصحَّ الخُبْرُ والخَبَرُ
إنْ تُحْي آثارَهُ مِنْ بعْدِ ما درسَتْ
فإنَّكَ النِّيلُ تُحْيِي الأرضَ والمَطرُ
وإنْ تَكُنْ أنتَ خيرَ الوارثينَ لهُ
فما يُنازِعْكَ في ميراثِهِ بَشَرُ
وإنْ تَكُنْ في العُلا والفَضْلِ تَخْلُفُهُ
فالشمسُ يَخْلُفُها إنْ غابَتِ القَمَرُ
أخجلتَ بالحلمِ ساداتِالزمانِ فلمْ
يَعْفُوا كَعَفْوِكَ عَنْ ذَنْبٍ إذا قَدرُوا
وَلمْ تَزَلْ تَسْتُرُ العَيْبَ الذي كَشَفُوا
ولم تَزَلْ تَجْبُرُ العَظْمَ الذي كَسَرُوا
لوْ أنَّ ألْسِنَة َ الأيامِ ناطِقَة ٌ
أثْنَتْ علَى فَضْلِكَ الآصالُ والبُكَرُ
شَرَعْتَ للنَّاسِ طُرْقاً ما بها عَجَرٌ
يخافُ سالكها فيها ولا بُجَرُ
لو يستقيمُ عليها السالكون بها
كما أمرتَ مشتْ مشى المها الحمرُ
أكرمْ بأيدمرَ الشمسيِّ من بطلٍ
بِذِكْرِهِ في الوَغَى الأبطَالُ تَفْتَخِرُ
تخافُ منه وترجوهُ كما فعلتْ
في قلبِ سامعها الآياتُ والسُّوَرُ
مَعْنَى الوجودِ الذي قامَ الوجودُ به
وهلْ بِغَيرِ المَعاني قامتِ الصُّوَرُ؟
بنانهُ من نداهُ الغيثُ منسكبٌ
وسَيْفُهُ مِنْ سُطاهُ النارُ تسْتَعِرُ
نَهَتُه عَنْ لَذَّة ِ الدُّنْيا نَزَاهتُهُ
وَشَرَّدَ النَّوْمَ مِنْ أجفانِهِ السَّهَرُ
وليسَ يُضْجِرُهُ قَوْلٌ وَلا عَمَلٌ
وكيفَ يُدْرِكُ مَن لا يَتْعَبُ الضَّجَرُ
يُمْسِي ويُصْبِحُ في تَدْبيرِ مَمْلَكة
ٍ أعيا الخلائقَ فيها بعضُ مايزرُ
يكفيه حملُ الأماناتِ التي عرضتْ
على الجِبالِ فكادَتْ منه تَنْفَطِرُ
خافَ الإلهُ فخافَتْهُ رَعِيَّتُهُ
والمَرءُ يُجْزَى بما يأتي وما يَذَرُ
واخْتارَهُ مَلكُ الدُّنيا لِيَخْبُرَهُ
في ملكه وهو مختارٌ ومختبرُ
فَطَهِّرَ الأرضَ مِنْ أهْلِ الفسادِ فلا
عَيْنٌ لهُمْ بَقِيَتْ فيها ولا أثَرُ
ودَبَّر المُلْكَ تَدْبيراً يُقَصِّرُ عنْ
إدراكِ أيسرهِ الأفهامُ والفكرُ
وحينَ طارت إلى الأعداءِ سُمْعَتُه
ماتَ الفرنجُ بداء الخوف والترُ
فما يبالي بأعداءٍ قلوبهمُ
فيها تَمَكَّن منهُ الخوفُ والذُّعُرُ
وكل أرضٍ ذَكَرْناهُ بها غَنِيَتْ
عَنْ أنْ يُجَرَّدَ فيها الصارِمُ الذَّكَرُ
فلَوْ تُجَرَّدُ مِنْ مِصرٍ عَزائُمهُ
إلأى العدا بطلَ البيكارُ السفرُ
في كلِّ يومٍ ترى القتلى بصارمهِ
كأَنَّما نُحِرتْ في مَوسِمٍ جُزُرُ
كأنَّ صارمهُ في كلِّ معتركٍ
نذيرُ موتِ خلتْ من قبلهِ النُذُرُ
شكراً له من وليٍّ في ولا يتهِ
معنى كرامته للناس مشتهرُ
عَمَّ الرَّعِيَّة َ والأجْنادَ مَعْدَلَة
ً فما شكا نفراً من عدلهِ نفرُ
وسرَّ أسماعهمْ منهُ وأعينهم
وَجْهٌ جَميلٌ وذِكْرٌ طَيِّبٌ عَطِرُ
تَأرَّجَتْ عَنْ نَظِيرِ المِسْكِ نَظْرَتُهُ
كما تأرجَ عن أكمامهِ الزهرُ
مِنْ مَعْشَرٍ في العُلا أوْفَوْا مُهُودَهُمُ
وليسَ مِنْ مَعْشَرٍ خانُوا ولا غَدَرُوا
تُرْكٌ تَزيَّنَتِ الدُّنيا بِذِكْرهِمُ
فهم لها الحلى ُ إن غابوا وإن حضروا
حَكَتْ ظواهرُهمْ حُسْناً بواطِنَهُمْ
فهُمْ سواءٌ أسَرُّوا القوْلَ أوْ جَهَروا
بِيضُ الوجوهِ يَجُنُّ اللَّيْلُ إنْ رَكِبُوا
إلى الوغَى ويُضِيءُ الصُّبْحُ إنْ سَفَرُوا
تَسْعَى لأبْوَابِهمْ قُصّادُ ما لهمْ
وجاههم زمراً في إثرها زمرُ
تسابقوا في العلا سبقَ الجيادِ لهم
من الثناء الحجول البيض والغررُ
وكل شيء سمعنا من مناقبهم
فمن مناقب عز الدين مختصرُ
مولى ً تلذ لنا أخبارُ سؤددهِ
كأنَّ أخبارهُ من حسنها سمرٌ
فلَوْ أدَارَتْ سُقاة ُ الرَّاحِ سِيرَتَهُ
عَلَى النَّدَامى وحَيَّوْهُمْ بها سكِرُوا
يا حُسْنَ ما يَجْمَعُ الدُّنيا ويُنْفِقُها
كالبَحْرِ يَحْسُنُ منه الوِرْدُ والصَّدَرُ
لكل شرطٍ جزاءٌ من مكارمهِ
وكلُّ مبتدأ منها له خبرُ
فما نَظَمْتُ مدِيحاً مُبْتَكَراً
إلا أتاني جودٌ منه مبتكرُ
صَدَقْتُ في مَدْحِهِ فازْدادَ رَوْنَقُهُ
فما على وجهه من ريبة ٍ قترُ
ومَنَ أعانَ أُولِي الطاعاتِ شَارَكَهُم
فسَلْهُمُ عنْهُ إنْ قَلُّوا وإنْ كثُرُوا
لِذاكَ أثْنَوا عليه بالذِي عَلِمُوا
خيراً فياحسنَ ما أثنوا وما شكروا
قالوا وجَدْناهُ مِثْلَ الكَرْمِ في كَرَمٍ
يَفِيءُ منه علينا الظِّلُّ والثّمَرُ
ومايزالُ يُعينُ الطائعينَ إذا
تطوعوا بجميلٍ ، أو إذا نذروا
ومن أعاَ أولي الطاعاتِ شاركهم
في أجْرِ ما حَصَرُوا منه وما تَجَرُوا
فما أتى الناسُ من فرضٍ ومن سننٍ
ففي صحيفتهِ الغَرَّاء مستطرُ
فحجَّ وهو مقيمٌ والحجازُ به
قومٌ يقيمونَ لاحجُّوا ولا اعتمروا
وجاهدتْ في سبيل اله طائفة
ٌ وخَيْلُها منه والهِنْدِيّة ُ البُتُرُ
وأطعمَ الصائمين الجائعين ومن
فرطِ الخصاصة في أكبادهم سعرُ
ولم تفتهُ من الأوراد ناشئة ٌ
فيما يقولُ وَلا عِيٌّ وَلا حصَرُ
يَطْوِي النَّهارَ صِياماً وهْوَ مُضطَرِمٌ
وَاللَّيلَ يَطْوي قِياماً وهوَ مُعْتَكِرُ
ومالُهُ في زَكاة ٍ كلُّهُ نُصُبٌ
لا الخُمْسُ فيه لَهُ ذِكْرٌ ولا العُشْرُ
أعمالهُ كلها لله خالصة
ٌ ونُصْحُهُ لم يُخالِط صَفْوَهُ كَدَرُ
كم عادَ بغيٌ على قومٍ عليه بغوا
وحاقَ مَكْرٌ بأَقوامٍ به مَكَرُوا
لَمْ يَخْفَ عَنْ علْمِهِ في الأرضِ خافِيَة
ٌ كأنَّهُ لِلْوُجُودِ السَّمْعُ والبَصَرُ
فلا يظنُّ مريبٌ من جهالتهِ
بأنَّ في الأرضِ شيءٌ عنه يَسْتَتِرُ
عصتْ عليه أناسٌ لاخلاقَ لهم
الشُّؤمُ شِيَمَتُهُمْ واللُّؤمُ والدَّبَرُ
تلثموا ثم قالوا: إننا عربٌ
فقلتُ لاعربٌ أنتمولا حضرُ
ولا عُهُودَ لكُمْ تُرْعَى ولا ذِمَمٌ
ولا بُيُوتُكمُ شَعْرٌ ولا وَبَرُ
وَأيُّ بَرِّيَّة ٍ فيها بُيُوتُكمُ
وهل هي الشعرُ قولوا لي أم المدرُ؟
وَليسَ يُنْجِي امْرأ رامُوا أذِيَّتَهُ
منهمْ فِرارٌ فقُلْ كَلاَّ ولا وَزَرُ
يَشْكُو جميعُ بني الدُّنيا أذِيَّتَهُمْ
فهمْ بِطُرْقِهِم الأحجارُ والحُفَرُ
يَرَوْنَ كلَّ قَبِيحٍ منْهُمُ حَسَناً
ولم يبالوا ألام الناس أم عذروا؟
مِنْ لُؤمِ أحْسابِهِمْ إنْ شاتَمُوا رَبِحُوا
ومن حقارتهم إن قاتلوا خسروا
لَمَّا عَلِمْتَ بأَنَّ الرِّفْقَ أَبْطَرَهُم
والمفسدون إذا أكرمتهم بطروا
زجرتهم بعقوباتٍ منوعة
ٍ وفي العقوباتِ لِلطاغينَ مُزْدَجَرُ
كأَنهم أقْسَمُوا بالله أنهمُ
لا يَتْركونَ الأذى إذَا قُهِرُوا
فَمَعْشَرٌ رَكِبُوا الأوْتادَ فانقطعَتْ
أمعاؤهم فتمنوا أنهم نُحروا
ومعشرٌ قطعتْ أوصالهم قطعاً
فما يُلَفِّقُها خَيْطٌ ولا إبَرُ
ومعشرٌ بالظبا طارت رؤوسهم
عن الجسومِ فقلنا إنها أكرُ
ومعشرٌ وُسِّطوا مثل الدلاءِ ولم
تربط حبالٌ بها يوماً ولا بكرُ
ومعشرٌ سُمِّروا فوق الجيادِ وقد
شدت جسومهم الألواح والدسرُ
وآخَرُونَ فَدَوْا بالمالِ أنْفُسَهُمْ
وقالتِ الناسُ خيرٌ من عمى ً عورُ
موتاتُ سوءٍ تلقوها بما صنعوا
ومن وراءِ تلقيهم لها سقرُ
وَقد تَأَدَّبَتِ المُسْتَخْدَمون بهم
والغافلون إذا ما ذُكِّروا ذَكروا
فَعَفَّ كلُّ ابنِ أنْثَى عَنْ خِيانتِه
فَلمْ يَخُنْ نفسَهُ أُنْثَى وَلا ذَكَرُ
إن كان قد صلحت من بعد مافسدت
أحوالهم بكَ إن الكسرَ ينجبرُ
لولاكَ ما عدلوا من بعدِ جورهمُ
على الرعايا ولا عفُّوُّا ولا انحصروا
ولا شكرتهم من بعد ذمهم
كأنهم آمَنُوا مِنْ بعْدِما كَفَرُوا
وكنتُ وصَّيتهمْ أن يحذروك كما
وصَّى الحكيمُ بَنيهِ وَهْوَ مُحْتَضَرُ
وقلتُ لا تَقْرَبوا مالاً حَوَتْ يَدُهُ
فالفَخُّ يَهْرُبُ منه الطائرُ الحَذِرُ
وحاذِرُوا معه أنْ تَرْكَبُوا غَرَراً
فليس يحمد من مركوبه الغررُ
ولا تصدوا لما لم يرضَ خاطرهُ
إنَّ التَّصَدِّي لما لمْ يَرْضَهُ خَطَرُ
فبان نصحي لهم إذ مات ناظرهم
وقد بدت للورى في موته عِبَرُ
مُقَدَّماتٌ: أماتاهُ وأقْبَرَهُ
مشاعليان ماأدوا ولا نصروا
وجرَّسوهُ على النعشِ الذي حملوا
مِنَ الفِراشِ إلى القَبْرِ الذي حَفَرُوا
ياسوءَ ماقرءوا من كلِّ مخزية
ٍ عَلَى جِنَازَتِهِ جَهْراً وما هَجَرُوا
وكبَّروا بعد تصغيرٍ جرائمهُ
وَقَبَّحُوا ما طَوَوْا منها وما نَشَروا
وكان جمَّع أموالاً وعدَّدها
كما يزول بحلق العانة الشعرُ
وراحَ من خدمة ٍ صفرَ اليدينِ فقلْ
للعاملين عليها بعدهُ عبروا
إذا تَفَكَّرْتَ في المُسْتخْدَمينَ بدَا
منهم لِعَيْنَيْكَ ما لم يُبْدِهِ النَّظَرُ
ظَنُّوهُمُ عَمَرُوا الدُّنيا بِبَذْلِهمُ
وإنما خرَّبوا الدنيا وماعمروا
فطهِّرِ الأرضَ منهمْ إنهمْ خَبَثٌ
لو يغسلونهم بالبحر ما طهروا
نِيرانُ شَرٍّ كَفانَا الله شرَّهمُ
لايرحمونَ ولا يبقون إن ظفروا
فاحْذَرْ كِبارَ بَنِيهمْ إنهمْ قُرُمٌ
وَاحْذَرْ صِغارَ بَنِيهمْ إنهم شَرَرُ
فالفيلُ تَقْتُلُهُ الأفْعَى بِأصْغَرِها
فيها ولم تخشَهُ منْ سِنِّها الصِّغَرُ
واضربهم بقناً مثل الحديدِ بهم
فليسَ من غيرِ ضَرْبٍ يَنْفَعُ الزُّبُرُ
ولا تَثِقْ بِوَفاءٍ مِنْ أخِي حُمُقٍ
فالحمقُ داءٌ عياءٌ برؤه عسرُ
مِنْ كلِّ مَنْ قَدْرُهُ في نَفْسِهِ أبَداً
مُعَظَّمٌ وَهُوَ عند الناسِ مُحْتَقَرُ
يَصدُّ عنكَ إذا استغنى بجانبه
ولا يزوركَ إلا حين يفتقرُ
كأنه الدَّلْوُ يعلو حينَ تَمْلَؤُهُ
ماءً ويُفْرِغُ ما فيهِ فَيَنْحَدِرُ
وَالدَّهْرُ يَرْفَعُ أطْرَافاً كما رَفَعَتْ
أَذْنَابَها لِقَضاءِ الحاجَة البَقَرُ
حسبُ المحلة ِ لما زال ناظرها
أن زال مذ زال عنها البؤس والضررُ
وَأنَّ أعْمالَها لمَّا حَلْلتَ بها
تغارُ من طيبها الجناتُ والنهرُ
وأهلها في أمانٍ من مساكنها
من فوقهم غرفٌ من تحتهم سررُ
ملأتَ فيها بيوتَ المال من ذهبٍ
وَفِضَّة ٍ صُبَراً يَا حَبَّذا الصُّبَرُ
وَالمالُ يُجْنَى كما يُجْنَى الثمارُ بها
حتى كأنَّ بَنِي الدُّنيا لها شَجَرُ
وتابعت بعضها الغلات في سفرٍ
بعضاً إلى شُوَنٍ ضاقَتْ بها الخُدُرُ
وَسِقَتْ الخيْلُ لِلأبْوَابِ مُسْرَجَة
ً لَمْ تُحْص عَدّاً وتُحْصَى الأنجُمُ الزُّهُرُ
والهجنُ تحسبها سحباً مفوَّفة
ً في الحقِّ منها فضاءُ الجوِّ منحصرُ
وكلُّ مقترحٍ مادارَ في خلدٍ
يأتي إليكَ به في وقتهِ القدرُ
وما هممتَ بأمرٍ غير مطلبهِ
إلاَّ تيَّسرَ من أسبابهِ العسرُ
والعاملون على الأموال ما علموا
مِنْ أيِّ ما جهة ٍ يأْتي وما شعَرُوا
وما أرى بيت مالِ المسلمين درى
مِنْ أينَ تأتي لهُ الأكياسُ والبِدَرُ
هذا وما أحَدٌ كلَّفْتَهُ شَطَطاً
بما فعلتَ كأن الناسَ قد سُحروا
بلْ زَادَهمْ فيكَ حُبّاً ما فَعَلتَ بهِمْ
مِنَ الجمِيلِ وَذَنْبُ الحُبِّ مُغْتَفَرُ
فإنْ شَكَوْا بِغْضَة ً مِمَّنْ مَضَى سَلَفَتْ
فما لقلبٍ على البغضاءِ مصطبرُ
فالصبر من يدِ من أحببتهُ عسلٌ
وَالشَّهْدُ مِنْ يَدِ مَنْ أبغَضْتَهُ صَبرُ
لقد جُبِلْتَ عَلَى عَدْلٍ وَمعْرِفَة
ٍ سارت بفضلهما الأمثال والسِّيَرُ
فما حَكَمْتَ بمَكْروهٍ عَلَى أحَدٍ
حُكماً يخالفهُ نصٌ ولا خبرُ
رزقتَ ذرية ً ضاهتكَ طيبة
ً مِنْ طِينَة ٍ غارَ منها العَنْبَرُ العَطِرُ
فليَنْهِكَ اليوَمَ منها الفضلُ حين غَدا
دين الإلهِ بسيف الدين منتصرُ
عَلَى صفاتِكَ دَلَّتْنا نَجابَتُهُ
وبان من أين ماء الوردِ يعتصرُ
ميزانهُ في التقى ميزانُ معدلة
ٍ وَحِكْمة ٍ لا صَغًى فيها وَلا صِغَرُ
مَشَى صِرَاطاً سَوِيّاً مِنْ دِيانَتِهِ
فما يزال بأمر الله يأتمرُ
تُرْضِيكَ في الله أعْمالٌ وَتُغْضِبُهُ
وما بدا لي أمرٌ منكما نكرُ
قالت لي الناسُ ماذا الخُلفُ؟ قلت لهم:
كما تَخَالَفَ موسى قَبْلُ والخَضِرُ
أما عصى أمرموسى عند سفك دمٍ
مافي شريعة ِ موسى أنه هدرُ
وقد تعاطى ابن عفانٍ لأسرتهِ
وما تعاطى أبو بكرٍ ولا عمرُ
ولَنْ يَضِيرَ أُولي التَّقْوَى اختلاَفُهُمْ
وهم على فِطْرة ِ الإسلامِ قد فُطِرُوا
مشمِّرٌ في مراعي الله مجتهدٌ
وبالعفافِ وتقوى الله مؤتزرُ
وقعتُ بين يديه من مهابتهِ
وقالتِ الناسُ ميتٌ مسَّهُ كبرُ
وَقَصَّرَتْ كلماتي عَنْ مَدَائحِه
وقد أتيتُ من الحالين أعتذرُ
فاقبل بفضلك مدحاً قد أتاك به
شيخٌ ضعيفٌ إلى تقصيره قصرُ
فما على القوسِ من عيبٍ تعابُ به
إنِ انْحَنَتْ واستقامَ السَّهْمُ والوتَرُ
وَالْبَسْ ثَنَاءَ أجَادَتْ نَسْجَهُ فِكَرٌ
يَغارُ في الحُسْنِ منه الوَشْيُ والحِبَرُ
مِنْ شاعرٍ صادقٍ ما شانهُ كَذبٌ
يَهيم في كلِّ وَادٍ منْ مدائِحِه
على معانٍ أضلت حسنها الفكرُ
لا يَنْظِمُ الشِّعْرَ إلاَّ في المَدِيحِ ومَا
غيرُ المديحِ له سؤالٌ ولا وطرُ
ماشاقهُ لغزالٍ في الظبا غزلٌ
ولا لغانية ٍ في طرفها حورُ
مديحهُ فيك حرٌّ ليس يملكهُ
منَ الجَوائزِ أثمَانٌ وَلا أُجَرُ
إنَّ الأديبَ إذا أهْدَى كَرَائِمَهُ
فقصدهُ شرفُ الأنسابِ لا المهرُ
تَبّاً لِقَومٍ قد اسْتَغنَوْا بما نَظَمُوا
من امتداح نبي الدنيا ومانثروا
فلو قفوت بأخذ المالِ إثرهم
لَعَوَّقَتْني القَوافي فيكَ والفِقَرُ
خير من المالِ عندي مدحٌ ذي كرم
ذكري بمدحي له في الأرض ينتشرُ
فالصفرُ من ذهبٍ عندي وإن صفرتْ
يدي وإن غنيتْ سيانِ والصفرُ
بقيتَ ماشئتَ فيما شئتَ من رتبٍ
عليَّة ٍ عمرُ الدنيا بها عمروا
وَبَلَّغَتْكَ اللَّيالي ما تُؤَمِّلُهُ
ولا تعدت إلى أيامك الغيرُ
وَقد دَعتْ لكَ منّي كلُّ جَارِحَة
ٍ وبالإجابَة ِ فَضْلُ الله يُنْتَظَرُ